يمثل ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية ضيفا دائما على كل المنتديات والمناسبات الاقتصادية، حيث يشبعه المسؤولون والمشاركون والمهتمون تحليلا وتمحيصا، ويسهبون في تحليل أسبابه ونتائج وتأثيره على الاقتصاد الوطني وعلى التنمية ومستوى معيشة المواطنين، فماذا يقول أصحاب الرأي في هذا الموضوع وما هي الأسباب الحقيقية لتضخم الأسعار في البلاد؟ محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي الدكتور محمد الجاسر قال: إنه منذ العام 1981 وحتى العام 2006 تمتعت بلادنا باستقرار قل وجوده في مستوى الأسعار، حيث لم يتجاوز متوسط ارتفاعها السنوي 0.5 في المائة، ولكنه أرجع الارتفاع في مستوى الأسعار الذي شهدته المملكة خلال السنوات الأربع الماضية إلى عوامل لا علاقة لها بالسياسة النقدية، بل كان نتيجة ارتفاع أسعار الغذاء عالميا، وأسعار العقارات والإيجارات بسبب تباطؤ الاستثمار في هذا المجال. وأضاف أنه من حسن الطالع أن معدلات التضخم السنوي شهدت تراجعا من أعلى مستوى وصلته وهو 11,1 في المائة في يوليو (تموز) 2008 إلى نحو 4,7 في مارس (أذار) الماضي، متوقعا أن تسهم الأوامر الملكية التي أصدرها خادم الحرمين الشريفين في زيادة المعروض من المساكن بما يقلل الضغوط التضخمية الناجمة عن الإيجارات مستقبلا. النقد والقروض في المقابل رأى الخبير الاقتصادي الدكتور محمد شمس، أن سياسة النقد السعودية التي تمارسها مؤسسة النقد العربي السعودي «ساما»، غير فاعلة في تغيير معدل التضخم، والسبب في ذلك أن الاقتصاد ما زال يعتمد على النقد في التداول أكثر من القروض. وأشار إلى أن الاقتصاد السعودي بدأ يعتمد في الفترة الأخيرة على القروض، ما يعني أنه كلما زادت حدة القروض استطاعت مؤسسة النقد استخدام سعر الفائدة أو السياسة النقدية في خفض معدل التضخم. ولكنه قال إنه لكي تكون سياسة مؤسسة النقد فاعلة، لابد أن يكون سعر الفائدة وتأثيرها على مواد التضخم قويا وتكون نسبة القروض مرتفعة جدا، لأن مؤسسة النقد ترفع سعر الفائدة وتقلل الطلب على القروض حتى يقل الطلب على السلع والخدمات. وأضاف «كلما زاد اعتماد الاقتصاد السعودي على القروض كانت سيطرة مؤسسة النقد على معدل التضخم مرتفعة». وأوضح أن ارتباط الريال السعودي بالدولار يؤدي، في حالة ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى زيادة معدل التضخم في المملكة، مشيرا إلى أن نسبة الواردات من المواد الغذائية كبيرة جدا في الناتج الوطني، وهذا يؤدي إلى ارتباط معدل التضخم في المملكة بأسعار الواردات، إضافة إلى أن غياب رقابة وزارة التجارة على أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية، يسهل على المستورد والتاجر فرصة رفع الأسعار، وقال إن السبب الأهم لتضخم الأسعار هو أن الاقتصاد السعودي وخصوصا قطاعي الزراعة والصناعة لم يساهم في إمداد الاقتصاد السعودي بالسلع والخدمات المحلية ذات القيمة المضافة العالية، ودعا إلى تطوير السياسة النقدية بطريقة تلائم الاقتصاد السعودي وتلائم الوضع النقدي، محذرا من استمرار استيراد سياسات خارجية غربية لا تلائم الاقتصاد السعودي. القوة الشرائية من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي الدكتور راشد الفوزان أن ربط سعر صرف الريال السعودي بالدولار الأمريكي يعتبر من العوامل الرئيسة والمهمة لارتفاع الأسعار، معتبرا أن سعر صرف الدولار الضعيف أسهم في ضعف الريال، وبالتالي ضعف القوة الشرائية للدولار أمام العملات الأخرى. ورأى أن انخفاض قيمة الدولار على مدى ثلاث سنوات بين 27 و30 في المائة يمثل فاقدا كبيرا للقوة الشرائية، مشيرا إلى أن سبب ربط الريال بالدولار هو أن النفط لا يباع إلا بالدولار، إضافة إلى أن 85 في المائة من تصدير المملكة واستثماراتها في الخارج بالدولار مقابل سندات. معتبرا أن المشكلة تكمن في ضعف دخل المواطن وبالتالي هو يرى الأسعار مرتفعة جدا مقارنة بالأغنياء والمقتدرين ماليا الذي يرون أن الأسعار معقولة.