يمر الإنسان في مشوار حياته بمحطات عدة، وتختلف هذه المحطات بقدر اختلاف القدر المكتوب بخيره وشره، فمنا من يرضى بواقعه، فيما يحاول آخرون التغلب على واقعهم المرير وتوظيفه في الصالح العام، كما هو الحال مع الدكتورة فوزية محمد أخضر التي وهبها الله ابنا معوقا (أصم) وكان طريقها إلى خدمة ذوي الاحتياجات الخاصة، بل كان سبيلها إلى التميز والنجاح والإبداع، وأنموذجا للعطاء في مجال الإعاقة والعمل التطوعي الخيري وحتى في مجال رعاية شؤون المتقاعدين الذي دخل ضمن اهتماماتها بعد إحالتها للتقاعد عقب 38 عاما من الخدمة وصلت خلالها إلى منصب مدير عام للتربية الخاصة في وزارة التربية والتعليم. وتعد الدكتورة أخضر، من الوجوه المشرفة للمرأة السعودية ولدورها المتنامي، بعد أن جعلت حياتها نموذجا للعطاء المتواصل على مدى سنوات مضت، ولا زال عطاؤها يتواصل، ولم يتوقف بعد تقاعدها، حيث بدأ اهتمامها في بداية حياتها العملية بتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة، فضلا عن انخراطها في اللجان التطوع الخيري وأخيرا اهتمامها بهموم وشجون بالمتقاعدين، وهنا حاولنا التوغل قليلا في مشوار هذه الشخصية النسائية الرائدة في مجال التعليم الخاص وكانت الحصيلة المحاولة التالي: • من هي فوزية أخضر؟ أنا من أوائل السعوديات المبتعثات إلى بريطانيا من قبل وزارة المعارف للحصول على الدراسات العليا في مجال المعوقين في عام 1975، واصلت مشواري التعليمي حتى حصلت على الدكتوراه في فلسفة التعليم الخاص من الولاياتالمتحدةالأمريكية في عام 1990، ودخولي لمجال الإعاقة، كان سببه أن الله شرفني بابن من ذوي الإعاقة (أصم) وكان سبب إلهامي للتخصص في المجال، وبعد عودتي كلفت بالعمل مع فئة ذوي الاحتياجات الخاصة لمدة 38 عاما ووصلت إلى منصب مدير عام للتربية الخاصة في وزارة التربية والتعليم، وجاهدت مع ابني حتى أوصلته لبر الأمان، فابني الآن شاب متزوج ولديه من الأبناء ثلاث بنات وولد، وحاصل على شهادة الكلية المتوسطة من المؤسسة العامة للتدريب الفني بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف إضافة إلى العديد من الدورات المختلفة، ويدرس حاليا في الجامعة المفتوحة في السنة الأخيرة، كل ذلك وهو على رأس العمل. • أنت أول سعودية ترأس منصبا حكوميا رفيعا ماذا يعني لك ذلك؟ لا أعتبر نفسي أول امرأة سعودية في هذا المجال، وهناك العديد من النساء اللاتي تبوأنا مناصب كبيرة، ولكنه منصب بدون صلاحيات، لأن السلطة والقرار الحقيقي كان بيد الرجل، ولكن أغبط المرأة الآن التي حصلت على المنصب والصلاحيات في عهدها الزاهر والذهبي عهد خادم الحرمين الشريفين، وقد ذكرت في مسيرتي مقدار المعاناة التي عشتها مع رؤسائي دون أن أنسى بالطبع بصمات الأشخاص الذين أضاءوا حياتي ووقفوا معي أثناء المسيرة. • هل إعاقة ابنك كانت سبب دخولك مجال المعاقين.. وما هي الأشياء التي تحققت على يديك؟ شكلت إعاقة ابني نقطة تحول في حياتي وجعلتني أبحث عن كل ما يخدم هذه الفئة، فكنت أول من ساهم في إكمال الصم التعليم الثانوي ولا يتوقفون عند المرحلة المتوسطة، فكنت أول من نادى في عام 1411ه بتطبيق الدمج للصم وضعاف السمع عبر الدمج الأكاديمي الكلي بالفصول العادية، حيث وجدت عقب عودتي من البعثة في بريطانيا، أن نظام التعليم الخاص في المملكة يختلف عما درسته في بريطانية، فحاولت إدخال التعديلات عبر مطالبات الرؤساء كوني منفذة ولا أملك القرار، وأيضا أول من رشح المعوقات إلى المراكز الإشرافية في مكتب الإشراف التربوي للتربية الخاصة من فئة الإعاقة الحركية والإعاقة البصرية والإعاقة السمعية، وأول رئيسة للجنة النسائية في جمعية الأطفال المعوقين، وأول من أدخل كبيرات السن من الصم وضعاف السمع في مدارس محو الأمية بالتعليم العام، وأول من طالب بفتح أبواب الجامعات لخريجات معاهد الأمل وغيره من المحطات يصعب حصرها. • إلى أي مدى تصدق مقولة أن من تقاعد انتهت رسالته في الحياة؟ هذا مفهوم الضعفاء والعاجزين، وأنا أعتبر تقاعدي بداية جديدة لخدمة فئة المتقاعدين، فالمجتمع يحاول تطبيق مقولة (مت قاعدا) وأن ما قدمته من خدمات بعد تقاعدي يدحض هذه المقولة، فإنجازاتي بعد التقاعد زادت بكثير مما كنت عليه في السابق، ففيها تحصلت على شهادة مدرب معتمد من المجلس الثقافي البريطاني عام 1431ه، فضلا عن العديد من المشاركات الداخلية والخارجية في هذا المجال، عدا عن أنني رشحت لبرنامج (المرأة النموذج) والذي رعاه اتحاد المنتجين العرب. • النجاح كان هو السمة الغالبة في مسيرة حياتك هل شاب هذه المسيرة محطات فشل وما هي؟ كانت هناك محطات فشل في مسيرتي تسبب فيها غيري، منها فشلي في أن أكون من صناع القرار رغم تبوئي منصب مدير عام التربية الخاصة، وإخفاقي في تحقيق رغبتي في دراسة القانون لأكون أول محامية سعودية في عام 1388ه، وأيضا في تغيير النظرة السلبية نحو ذوي الاحتياجات الخاصة وقدراتهم رغم كافة المحاولات، وأيضا عدم نجاحي في إقناع المسؤولين عن التربية الخاصة بتغيير وتعديل المناهج في جميع المراحل منذ عام 1979. • هل أدت فوزية أخضر رسالتها كاملة نحو مجتمعها؟ لا أعتقد أديت رسالتي بالكامل، لأن هناك بعض النواقص التي لم تكتمل، ومن هذه النواقص عدم تفعيل النظام الوطني للمعوقين، وكانت ضمن توصياته إنشاء مجلس أعلى للمعوقين تحت مظلة واحدة ولا زالت خدماتهم مبعثرة، وبعد تفعيل هذا النظام سوف أحس براحة كبيرة، وأنا لا زال لدي الكثير لأقدمه، فأنا أدور في مثلث الإعاقة، العمل الخيري التطوعي والتقاعد، وحلمي أن أضم المسؤولية المجتمعية في هذه المواضيع في بوتقة واحدة.