إلغاء الرسوم والمخالفات، تأهيل النقل، خرائط للطرق بلغة برايل، مرورا بإعطاء فرص ومزايا أكبر، خصوصا في التدريب والتوظيف، وليس انتهاء بالإعفاء الجمركي؛ تظل كل تلك المطالب والاحتياجات معاناة يعيشها أكثر من 750 ألف معوق في المملكة، ومواضيع نقاشات تتمحور حولها الكثير من الموضوعات، تفضي في محصلتها إلى أن بيئة ذوي الاحتياجات الخاصة لا تزال غير كافية لتفاعلهم في المجتمع، أو تفاعل المجتمع معهم، رغم حجم الإنفاق السخي البالغ نحو 388 مليون ريال سنويا على هذه الفئة. تلك المواضيع والنقاشات، مع صعوبة طرحها من قبل المعنيين بها من ذوي الاحتياجات الخاصة، فإن سهولة اقترانها بالنفي أو تجاهلها من قبل الأسوياء توضح فعليا مدى اختلال العمل على سد الفجوة بين الفئتين، وضعف الاجتهاد في تمكين هؤلاء من المضي قدما في حياتهم رغم إعاقاتهم. «عكاظ» أتاحت لذوي الاحتياجات الخاصة فتح الملفات المغلقة، كل حسب إعاقته، ليقرأها ذوو الشأن، كل حسب تخصصه ودرايته، ولإيصال طرق المعوقين إلى طريق واحد يفهمه جميع الأسوياء، بهدف الوصول إلى آليات عمل تطرح العوائق والأفكار والمقترحات لوطن يتعايش فيه الجميع رغم اختلافهم، ويبذل له الجميع رغم تباين قدراتهم. ذهبنا إلى بعضهم بما يسمح من أسلوب تفاعل، للقاء بهم وبذويهم، واستخلاص أبرز معاناتهم ومطالبهم من المجتمع، فبادرنا خالد فهد وهو أحد الصم متسائلا «أتقنت خلال سنة في أمريكا كتابة جملة إنجليزية صحيحة التركيب والمعنى، فيما درست 12 عاما في المملكة، وتخرجت من الثانوية العامة دون أن أتقن كتابة عبارة واحدة صحيحة، لماذا»، وأضاف خالد «صدر مرسوم ملكي في عام 1421ه، يأمر بإتاحة التعليم الجامعي للصم، غير أنه أدخل الأدراج ولم ينفذ على أرض الواقع». وتحدث سالم سعد وهو أحد الصم قائلا «يعاني الصم في قطاعات كثيرة من عدم وجود مترجم متخصص في لغة الإشارة، بالرغم من إدخال مترجم لغة الإشارة في التصنيف الوظيفي في وزارة الخدمة المدنية منذ عام 1429ه، ومنذ ذلك الوقت وإلى اليوم لم يعين على هذه الوظيفة سوى أربعة مترجمين في قطاع تدريبي استثنائي في إحدى الكليات التي يدرس فيها الصم». وأضاف سالم سعد «وزارة الصحة، وزارة العدل، وزارة الداخلية بجميع قطاعاتها، وزارة الإعلام، وزارة الشؤون الاجتماعية، وزارة الخدمة المدنية، وحتى الديوان الملكي والمتمثل في مجلسي الشورى والوزراء، كلهم مطالبون بتوظيف مترجمين للصم، أو استقطابهم من وظائفهم التي يشغلونها ليعملوا مترجمين متفرغين للصم، فهم أداة مهمة ومحورية تصل بيننا وبين المسؤولين والمجتمع، وتنقل أصواتنا إليهم، وأصواتهم إلينا». وعلى خلفية ذلك، تحدث ل«عكاظ» سالم فهد وهو أصم، أنه اضطر للذهاب إلى المستشفى ثلاث مرات متتالية في ثلاثة أسابيع، لاستشارة طبيب في ألم كان يشكو منه في بطنه، وكان الطبيب يعطيه علاجا مسكنا دون أن يفهم شكواه، حتى لجأ في المرة الرابعة حين اشتد به الألم إلى إحضار مترجم معه ليترجم شكواه للطبيب الذي استوضح علته أخيرا، وتبين بعد الكشف والتحليل أنه بحاجة إلى تدخل جراحي عاجل، حيث تفاقمت مشكلته خلال الأسابيع التي كان يتردد فيها على المستشفى، وكاد أن يصاب بفشل كلوي. وآخر أدخله رجل المرور إلى التوقيف إثر حادث مروري وقع بينه وبين طرف آخر، دون أن يتحدث إليه كونه لا يعرف لغة الإشارة، واضطر للمكوث في التوقيف نهارا كاملا حتى أجرى اتصالا بمترجم يعرفه، حضر بعد الفراغ من عمله إلى المرور واتضح بعد إفادة الأصم للضابط عن طريق المترجم، أن المشكلة خلاف ما دون في التقرير، وفعلا جرى إعداد تقرير آخر عن الحادث وحل الموضوع، وتساءل «هل يمكث كل أصم يتعرض لحادث مروري أكثر من 16 ساعة، حتى يستطيع أن يدلي بإفادته في قطاع عام وحيوي مثل المرور». أما الشاب سعود محمد، فاشترى أرضا وذهب إلى كتابة العدل لينقل ملكيتها إليه، غير أن القاضي رفض ذلك بحجة أن صاحب الأرض أصم، وأن «الأصم كالمجنون لا يحسن التصرف في ماله»، وطالبه بإحضار ولي أمره، وأمر بتسجيل ملكية الأرض باسم والده، حتى قدم محام مهتم بحقوق الصم بعد عام من القضية، وبعد تبني قضيته وتواصله مع أحد كتاب العدل استطاع أن يقنعه بنقل ملكية الأرض إلى صاحبها الأصم، وتساءل سعود قائلا «هل يعقل أن يجهل قاض في المحكمة من هم الصم»، وأضاف «ماذا لو توفي والدي والأرض باقية باسمه وطالب الورثة بتقسيمها». وعلقت مترجمة لغة الإشارة لطيفة الفهيد التي تزوجت من أصم، أن النساء الصم بالرغم من أنهن يشاركن الرجال الصم نفس المشكلات، ألا أنهن يعشن قهرا مضاعفا بالنظر إلى بعض العادات والتقاليد التي تفرض على المرأة البقاء في المنزل وتلزمها بالخدمة، وأضافت «لكم أن تتصوروا أسرة لا تجيد لغة الإشارة، وحتى برامج التلفاز الإخبارية، الاجتماعية، الثقافية، وغيرها لا تهتم بلغة الإشارة، وقد يصل الحال ببعض الأسر أن يجعلوا من الفتاة الصماء خادمة في المنزل دون أي تقدير أو مراعاة». وتحدث ل«عكاظ» حسن الحمدان والد البطل العالمي عبد الرحمن الحمدان، وهو معوق حصل على بطولة العالم في السباحة، مبينا أن إعاقة ابنه عبد الرحمن مزدوجة، حركية وذهنية، وقال «التعامل مع الأطفال المعوقين مجموعة من الألغاز، غير أننا نجحنا في حل غالبية تلك الألغاز حين تقبلنا إعاقته وطورنا أنفسنا للتعامل معه داخل البيت وخارجه، وتعاملنا بحذر مع وضعه الصحي»، وأضاف «كثير من الأسر تحتاج إلى تطوير قدراتها ووعيها في التعامل مع أطفالهم من ذوي الاحتياجات الخاصة». وأوضحت مدير عام التربية الخاصة في وزارة التربية والتعليم الدكتورة هيا عبد العزيز العواد أن الوزارة تقدم العديد من الخدمات لذوي الاحتياجات الخاصة خصوصا من الفتيات، منها المعاهد المتخصصة للفئات المختلفة، مثل معاهد النور لذوات الإعاقة البصرية، معاهد الأمل لذوات الإعاقة السمعية، ومعاهد التربية الفكرية لذوات الإعاقة العقلية، كما تقدم برامج التربية الخاصة للإعاقات المختلفة في مدارس التعليم العام في مختلف المناطق والمحافظات، سواء في فصول خاصة أو في غرف مصادر التعلم. وحول الصعوبات التي تواجه المعلمات في تعاملهن مع ذوات الإعاقات المختلفة وأهاليهن، أوضحت العواد أن أبرز تلك الصعوبات هي الفروق الفردية بين طالبات التربية الخاصة، حيث إن «نسبة كبيرة من المعلمات تعد كل واحدة من أولئك الفتيات حالة خاصة تتطلب مواءمة البرنامج ليناسب حالتها»، مضيفة أن من أهم الصعوبات «نقص الكوادر البشرية المؤهلة تأهيلا عاليا، للتعامل بفاعلية مع هذه الفئة». وأكدت الدكتورة العواد أن الإعلام شريك استراتيجي لوزارة التربية والتعليم في توعية المجتمع وتثقيفه بكافة القضايا التربوية، ومنها قضايا التربية الخاصة، وأضافت «لعل دمج ذوي الاحتياجات الخاصة مع أقرانهم من الأسوياء في مدارس التعليم العام، تعد من أبرز قضايا التربية الخاصة التي نود من الإعلام مساندتنا في إيضاح أهميتها في التوازن النفسي والاجتماعي لذوي الاحتياجات الخاصة، وفي تقبل بقية الطلاب لزملائهم من هذه الفئة، مما يسهم في التقدم التعليمي والتربوي لهم، ويسهل اندماجهم في المجتمع بعد تخرجهم». من جهتها، ذكرت المديرة السابقة للتربية الخاصة والمهتمة بالشأن الإعاقي الدكتور فوزية أخضر، أن الأفراد من ذوي الإعاقات يمثلون بصورة عامة مجتمعا ذا طبيعة خاصة، يحتاج إلى تكامل الجهود والتعاون والتنسيق بين كافة الهيئات والمؤسسات الحكومية والخاصة، في توفير الرعاية الصحية والنفسية والاجتماعية لهم، بهدف دعم قدراتهم وتنمية طاقاتهم وإمكانياتهم. وأوضحت الدكتور فوزية أخضر التي أمضت نحو 40 عاما في التعامل مع هذه الفئة، أنه بالنظر إلى تنوع وتشابك إعاقات ذوي الاحتياجات الخاصة، فإن الحاجة ملحة إلى التكامل والتعاون والتنسيق بين كافة الهيئات والمؤسسات، بهدف إيجاد آليات قوية تربطها ببعضها؛ لتقديم منظومة من الخدمات المتكاملة، والدفاع عن حقوق المعوقين والعمل على تحقيق مطالبهم في تحسين واقع الخدمات المقدمة لهم، وتعريف المجتمع بأهميتهم كعنصر بشري قادر على الإنتاج والعمل، والتعامل معهم كأفراد من المجتمع، وتكوين علاقات حميمة بينهم وبين أفراد أسرهم ومجتمعهم. وجزمت أخضر من واقع تجرتها الممتدة لسنوات طويلة، أن المراكز الأهلية الخاصة ومراكز الأبحاث والدراسات في وزارتي التربية والتعليم والشؤون الاجتماعية، لا يقدمون الخدمات اللازمة لذوي الاحتياجات الخاصة بالصورة المأمولة منهم، مشيرة إلى أنه حتى الآن «لم تتوافر لديهم الأجهزة التقنية المطلوبة، ولم يؤهلوا المختصين، ولم يتولوا تدريب من هم على رأس العمل»، مؤكدة أنها اطلعت على عدة شكاوى مقدمة من بعض الأهالي الذين يدفعون مبالغ باهظة ليلحقوا أبناءهم بأحد تلك المراكز. وعن موضوع دمج المعوقين في المدارس العامة، أكدت أخضر أن ذلك يعد «من أبسط حقوقهم»، مشيرة إلى أن المملكة وقعت وصادقت على اتفاقية دولية لحقوق ذوي الإعاقة، وقالت «على المعنيين في التربية والتعليم أن يلتزموا بما وقعنا عليه، وإن كان تطبيق الدمج كشف عن أخطاء وسلبيات، فلأنه طبق بشكل خاطئ، وليست المشكلة في مبدأ الدمج». وأضافت الدكتورة أخضر «الحقيقة التي لا يجب أن تغيب عن أذهان المسؤولين والمتعاملين مع هذه الفئات، هو أن ما يقدم لهم حاليا من تعليم وتدريب وتأهيل، يعد غير كاف ليكونوا فاعلين في المجتمع»، إضافة إلى غياب الدراسات المتخصصة التي تتطرق لهذه الشريحة من المجتمع من النواحي النفسية، الاجتماعية، والاقتصادية بشكل تفصيلي. وتحدث المشرف التربوي في معهد التربية الفكري عبد الرحمن بن علي الفيفي، عن المعوقات والصعوبات التي تواجه ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع، وقال «هناك معوقات وصعوبات تواجه الخدمات المقدمة لذوي الاحتياجات الخاصة، بعضها يرتبط بعادات المجتمع وتقاليده، ومنها ما يرتبط بالتصور المغلوط لدى أولياء الأمور بقدرات أبنائهم ومدى إمكانية تنميتها، وبعضها يرتبط بوعي المجتمع تجاه دوره في الإسهام في تقديم الخدمات التطوعية وتمويل الخدمات الإنسانية، وبعضها يرتبط بقصور الدور التوعوي للإعلام في تثقيف المجتمع وتغيير اتجاهاته». وحول تجاوب ذوي المعوقين، قال الفيفي «نطمح في تعاون أكثر من الأهالي والمجتمع والإعلام، فبعض الأسر تتأخر في إلحاق أبنائها المعوقين بمؤسسات التربية الخاصة بسبب العطف والحنان أو الشفقة على الطفل والخوف عليه، وترى أنها خير من يرعاه، فيما تفوت على ابنها الفترة المناسبة لتعليمه وتأهيله، وبعد أن يتجاوز الطفل هذه الفترة، وتدرك الأسرة فداحة تصرفها وأنها غير قادرة على رعاية ابنها منفردة، تقذف بابنها للمؤسسة التربوية»، وأضاف «بعض الأهالي لا يدركون أهمية التكامل بين البيت والمدرسة في رعاية الطفل المعوق، ويظنون أن المدرسة قد حلت محلهم في رعاية الطفل». وانتقلت «عكاظ» لتلمس الأساليب والاحتياجات الترفيهية والرياضية لذوي الاحتياجات الخاصة، حيث أوضح الأمين العام المساعد للاتحاد السعودي لرياضة ذوي الاحتياجات الخاصة الدكتور علي بن عبدالله المنيع، أن إقبال ذوي الاحتياجات الخاصة على أنشطة الاتحاد «يعد جيدا، في ظل عدم وجود بنية تحتية تمكنهم من ممارسة الرياضة بالشكل الذي يلبي طموحاتنا كمهتمين بأنشطة ذوي الاحتياجات الخاصة»، مشيرا إلى أن 15 مركز تدريب تابعة للاتحاد في مختلف المناطق والمحافظات، تعاني من قلة الإمكانات والتجهيزات، كما تعاني من ضعف المحفزات المادية والمعنوية، سواء للفرد من ذوي الاحتياجات الخاصة، أو للقائمين على أنشطتهم من الإداريين والمدربين. وطالب الدكتور المنيع بتحويل هذه المراكز إلى أندية مدعومة من قبل الرئاسة العامة لرعاية الشباب، بناء منشآت خاصة بها مع تجهيزات عالية المستوى تتناسب مع جميع الإعاقات، توفير كادر إداري وفني مع تأمين الحوافز المالية المناسبة، وضع نظام للتأهيل والتدريب، وتوفير المواصلات لمرتادي هذه الأندية، لافتا إلى أهمية عدم قصر نشاط النادي على الجانب الرياضي، وأن يشمل أنشطة اجتماعية وثقافية، كما يتولى الدعم الأسري لأهالي ذوي الاحتياجات الخاصة.