يبدو أن ظاهرة تعثر المشاريع التنموية رغم ضخامتها وجسامة تأثيرها على عجلة التنمية والبناء، من الظواهر المستعصية على الحل، أو الصعبة إذا ما أردنا أن نأخذ برأي المتفائلين من الخبراء. وما يزيد مشكلة تعثر المشاريع تعقيدا هو الطابع التراكمي لها، خصوصا في ظل الطفرة التي تشهدها المملكة في السنوات الأخيرة، إذ تخصص الدولة سنويا ضمن ميزانياتها التي تزداد ضخامة من عام لآخر، مبالغ طائلة لتنفيذ المزيد من المشاريع التنموية لمختلف القطاعات، في وقت لا زالت فيه مشاريع قديمة أقرت في ميزانيات سابقة تمشي الهوينى، وببطء شديد، فيما المشاريع الأتعس حظا توقفت وأعلنت الوزارات المعنية سحبها من مقاوليها والبحث عن مقاولين آخرين قادرين على لملمة شعثها. كيف يمكن لجهة ما، وزارة كانت أم هيئة أم مؤسسة أن تباشر تنفيذ مشاريع الميزانيات الجديدة فيما لا زالت مشاريع قديمة لها معلقة أو تسير بخطى سلحفائية ومهددة بالتوقف بين لحظة وأختها لسبب من الأسباب. إذن المشكلة كبيرة ومتعلقة بالتنمية والتطور وتمس بشكل مباشر المواطن الذي ترتبط به هذه المشاريع بشكل مباشر أو غير مباشر، وتؤثر دائما على خدمته ورفاهيته التي تعد هدفا استراتيجيا لولي الأمر. أين تكمن المشكلة؟ سؤال ضخم دون شك، لكن للأسف ليس جديدا، فقد طرح عند تعثر أول مشروع على مستوى المملكة، وسيظل يطرح كلما تعثر مشروع. المختلف هو الإجابة على السؤال، فمن جهة إلى أخرى، ومن مشروع متعثر إلى آخر، تختلف وتتباين الإجابة، وتظل النتيجة واحدة لا تتغير، وهي استمرار المشاريع وعجز الحلول المطروحة. مؤتمر لتعثر المشاريع أدركت الجهات المعنية ضخامة المشكلة وذهبت تبحث عن تشخيص علمي دقيق للمشكلة تنطلق من خلاله لوضع الحلول المناسبة، وعبر فعاليات كثيرة ومتنوعة من حيث العناوين ونوعية وأسماء وتخصصات المشاركين والجهات المنظمة لها، وكان المؤتمر الدولي الذي عقد مؤخرا في الرياض بمشاركة عدد من الخبراء المحليين والعالميين واحدا من الفعاليات الكبرى التي خصصت لمناقشة تعثر المشاريع وذلك ضمن مساع تقودها هيئة المهندسين وتستهدف رفع كفاءة إدارة المشاريع من خلال تطبيق منهجية إدارة المشاريع في البلاد التي تشهد إنفاقا هائلا على مشاريع البنية التحتية يتجاوز كل عام 200 مليار ريال. المشارك الأبرز في المؤتمر، الآتي بكل حماسة على رأس واحدة من أكثر الهيئات أهمية على مستوى المملكة، هيئة مكافحة الفساد التي أعلن الملك عبدالله بن عبدالعزيز عن إنشائها وأكد على أهمية دورها في المرحلة القادمة، وخصوصا فيما يتعلق بتعثر المشاريع. رأي محمد الشريف رئيس هيئة مكافحة الفساد فيما يتعلق بمشكلة تعثر المشاريع كان وسيظل محط اهتمام الجميع فعليه وعلى هيئته يعول المواطنين مستقبلا على إيجاد حل جذري لهذه الظاهرة. يقول محمد الشريف: نحن مطالبون بالبحث عن الأسباب الحقيقية التي تؤدي إلى تعثر المشاريع والتي منها عدم الاعتناء بإعداد المواصفات والشروط قبل طرح المشاريع، وإسناد الأعمال بالباطن سواء بعلم الجهات المالكة أو بدون علمها، فذلك يؤدي إلى تعثر المشاريع وربما توقف بعضها بشكل نهائي. وانتقد ضعف الإشراف على المشروعات من قبل الجهات الحكومية أو من قبل استشارييها. وتمنى إعادة الحياة لصندوق إقراض المقاولين الذي ساهم في فترات سابقة في مساعدة المقاولين على تنفيذ المشاريع في وقتها. الشورى.. رقابة وتوصيات مجلس الشورى من المؤسسات التي أولت مشكلة تعثر المشاريع اهتماما واضحا، وتابع بشكل واضح حيثيات المشكلة بالنظر إلى ما يصله من تقارير دقيقة عن عدد المشاريع المتعثرة، والأموال المستثمرة فيها، ونوعيتها، ومستوى تأثيرها على الشأن الخدمي المتعلق بالمقاول، وظل أعضاء المجلس يحملون هم المشكلة والبحث عن حلول ناجعة تضع حدا لواحدة من أكثر المشاكل تداولا على المستوى الرسمي والشعبي. الدكتور محمد القويحص عضو مجلس الشورى يقول إن كل التقارير التي وصلت إلى مجلس الشورى تؤكد على أن نسبة وعدد المشاريع المتعثرة يستدعي التحرك العاجل من خلال إنشاء جهة مستقلة عبارة عن هيئة عامة للمشاريع، حيث تؤكد التقارير أن المشاريع تعاني من نقص في كفاءة إدارة المشاريع، وهذا يستدعي سرعة التحرك، وقال: التقارير التي وصلت للشورى كشفت أن نحو 2000 مشروع بقيمة 17 مليار ريال تعثرت في حين تم نقل 17 مليار ريال إلى أبواب أخرى في الميزانية في الوقت الذي كان مقررا أن ينفذ فيها مشاريع، وأن 18 مليار ريال معتمدة ولم تتم الاستفادة منها. ورغم الإجراءات التي أعلنتها الدولة بهدف احتواء ملف المشاريع المتعثرة، إلا أن ضخامة الملف ما زالت تحتاج المزيد من البحث والدراسة والعمل الجاد على إيجاد المزيد من الحلول الفاعلة، ومن أوجه الاهتمام بهذه القضية الشائكة مبادرة سمو وزير الشؤون البلدية والقروية، بتشكيل إدارة في مكتبه لمتابعة تنفيذ المشاريع المتعثرة في المناطق، بعد أن درست الأسباب ووضعت الحلول من قبل أمناء المدن. ويصف المهندس طارق عقيل هذا الإجراء ب«الخطوة الأولى الجيدة على الطريق الصحيح» وصولا إلى إيجاد حل متكامل لهذه المشكلة، وطالب بإعداد منهجية واضحة لضمان إنجاز المشروعات على أعلى مستويات الأداء، تنفيذا لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين التي تؤكد على تنفيذ هذه المشاريع لخدمة المواطنين في أنحاء المملكة. الاستعانة بالشركات العالمية ومن الإجراءات العملية المعلنة ما أكده وزير المالية الدكتور إبراهيم العساف عن تقديم تسهيلات لدخول شركات عالمية كبرى متخصصة في مجال الإنشاءات والمقاولات إلى المملكة لحل إشكالات المشاريع المتعثرة، مشيرا إلى أن هذه الخطوة هي أحد القرارات والإجراءات لتسهيل عمليات تنفيذ المشاريع، فيما وصف المؤشرات الحالية بالإيجابية. وقال: الضغط على القطاعات المنفذة أقل من السابق، ونسبة التأخر أقل كذلك، وهذا متوقع لأننا اعتمدنا في السابق مشاريع كبيرة جدا، مع عدم وجود القدرة الكافية، سواء في ما يتعلق بقطاعات الإنشاءات أو المقاولات أو الجهات الحكومية لتنفيذ هذه المشاريع وهذا عكس ما يحدث حاليا. وطالب عبد الوهاب محمد آل مجثل عضو مجلس الشورى بتأسيس هيئة عامة مستقلة للمشاريع. وأرجع ابن مجثل أسباب تعثر المشاريع الحكومية وتنفيذها بصورة سيئة إلى تأخر بعض الجهات الحكومية في إعداد الشروط والمواصفات الفنية والتصاميم الهندسية لمشاريعها، وعدم مرجعية مواصفات مشاريعها الفنية ومخططاتها ورسوماتها الهندسية، مما يؤدي إلى إجراء إضافات أو تعديلات أثناء مراحل التنفيذ، بالإضافة إلى عدم كفاءة بعض المقاولين أو تقصيرهم. وقال «يجب أن تكون هناك هيئة للمشاريع مرتبطة بالملك مباشرة تشرف على المشاريع الحكومية ومراقبتها ابتداء من التصميم وانتهاء بالتنفيذ، حيث لا يوجد تنسيق أو ارتباط بين الوزارات الخدمية في الوقت التي تعتمد وزارة المالية على الأخذ بأقل العروض المالية المقدمة من الشركات أو المؤسسات المنفذة دون النظر أو الأخذ بعين الاعتبار الجودة والمواصفات الأفضل». وهو ما أكد عليه عدد من المهتمين بمتابعة المشاريع الحكومية، حيث دعوا إلى ضرورة إيجاد تنسيق في المشاريع الحكومية قبل البدء فيها، وخصوصا أعمال البنية التحتية لتوفير المال والوقت. واعتبر المهندس يوسف الشافي الأمين الأسبق لغرفة الطائف، إعادة النظر في الغرامات المتوجبة على المقاولين المتعثرين والبالغة 10 في المائة «أمرا غير كاف»، لافتا إلى وجود تأخير في الاستفادة من المشاريع الحكومية الحيوية. وقال «لا بد من تعزيز القدرات الفنية للإدارات الحكومية، وإعداد التخطيط السليم للمشاريع وتصنيف المقاولين، ورصد الاعتمادات المالية للمشاريع الحكومية».