لم يتوقف الحديث يوما عن المشاريع المتعثرة، ولا تكاد تمر فرصة أو مناسبة متعلقة بالتنمية والبناء إلا وتبرز مشكلة المشاريع المتعثرة كمحور أساسي يلقي بظلاله على المناسبة حضورا وموضوعا، وعقدت في هذا السياق ندوات ومنتديات كثيرة خصصت لمناقشة أسباب وحلول تعثر تنفيذ المشاريع الحكومية، وسبل معالجتها واتفقت في معظمها على التوصية بإعادة تصنيف المقاولين، ومضاعفة العقوبات على المقاولين حتى يتم ضمان عدم تعثرهم، والتشهير بأسماء المقاولين الذين لهم الدور المباشر في تعثر المشاريع الحكومية، ومطالبة الجهات الحكومية بالتنسيق مع بعضها بعضا قبل تنفيذ أي مشروع حيوي، وأن تكون هناك لجنة محايدة لمناقشة آلية سحب المشاريع المتعثرة من المقاولين، ووضع معايير محددة لتأهيل المقاولين، والتركيز على أن كثرة عوامل التغيير على المشاريع تعني ضعف الدراسات، وهي من أهم أسباب تعثر المشاريع والصرف عليها أكثر من اللازم، ومطالبة الجهة التي لديها تعثر مع أي مقاول برفع ذلك إلى البلديات لاتخاذ اللازم. وأوصت الندوة بضرورة إنشاء قاعدة بيانات إلكترونية تختص بالمشاريع الحيوية التي تحت الإنشاء وبيانات عن مدة الانتهاء منها، مع أهمية تدريب الموظفين في الدوائر الحكومية لمراقبة المشاريع، والتشديد على أن تتولى جهات عليا تنفيذ المشروعات الحيوية الكبرى حتى يتم إنجازها بشكل أسرع، وأن يكون لوزارة المالية مستشارون متخصصون، خاصة وقت مناقشة الميزانية. براءة المقاول يبدو أن المقاول كان الجهة الضحية، عندما يدور البحث عن أسباب تعثر المشاريع الحكومية على اعتباره الجهة المسؤولة عن التنفيذ في الميدان وهو ما كان ينفيه المقاولون باستمرار ويقفون بالضد من ادعاء بأنهم سبب رئيس لهذه الظاهرة المتنامية جمال عبد العزيز رجب رئيس اللجنة التنفيذية لشركة عبد العزيز رجب وعبد الله سلسلة. فالمقاول هو طرف متعاقد مع جهة حكومية قدم عرض أسعاره أثناء فترة طرح المنافسة ضمن إطار معين وملزم بحدود المواصفات والكميات التي طرحت ضمن كراسة المواصفات ودرس الشروط العامة والخاصة وتعرف أيضا على ظروف موقع العمل، وبناء عليه قدم عرض أسعاره للقيام بواجبات العمل ضمن إطار الالتزامات التعاقدية مع الجهة صاحبة المشروع، ولكن بمجرد ترسية المشروع عليه تأتيه المفاجئات بعد ذلك الواحدة تلو الأخرى، والتي هي في حقيقتها خارجة عن ما نصت عليه المواصفات والكميات، فليس أمام المقاول المقاولين سوى عقد حكومي قديم غير واضح المعالم من حيث الشروط والمسؤوليات، ولا يحمي سوى طرف واحد وهو الجهة الحكومية، (عقد إذعان) ولا يمكن للمقاول الحق في أن يعدل فيه أو يضيف عليه ما يحميه أيضا من شروط أو حتى وضع أي من تحفظاته، وليس هذا فحسب، بل أن الجهة المتعاقد معها ترمي على المقاول مسؤولية التنسيق المباشر مع العديد من الجهات الحكومية الأخرى لأخذ موافقتهم على أعمال الحفر مثلا للتأكد من عدم وجود أي اعتراض من جانبهم للأعمال التي سيباشرها وعدم تعارضها مع ما لديهم من خطوط أرضية سواء كانت السلكية منها أو أي توصيلات أخرى مثل خطوط تصريف أو توصيلات مياه وخلافة، وأمام مثل هذه الظروف التي حشر فيها المقاول للتنسيق مع جميع الجهات والتي ليس له أي سلطان عليها يتجرع مع الوقت مرارة الانتظار حتى أخذ الموافقة الخطية من كل جهة (والحسابة بتحسب !!) ليتمكن بعدها من البدء في الأعمال. فالمقاول في واقع الحال لا يباشر أي عمل إلاّ بعد حصوله على العديد من الإجراءات والتي منها (على سبيل المثال لا الحصر) التوجيه الصريح لنطاق العمل المطلوب منه تنفيذه وحدوده المكانية والفنية واعتماد المخططات التي قدمها المقاول والموافقة على المواد وطرق وأساليب التنفيذ وجداول الأعمال وتسلسلها، وكل هذا يفترض أن يحصل أمام الجهة صاحبة العمل والجهة المشرفة على المشروع (استشاري المشروع) وتحت إشرافها اليومي والمباشر على الأعمال المنفذة وموافقتها عليها وليس بعيدا عن رؤيتها ومعرفتها الكاملة لما يجري، ولو كان لها أي اعتراض على ما قام به المقاول من أعمال فكان من واجبها إيقافه فورا من العمل في حينه..!! فأين كان سرب المشرفين والمفتشين التابعين للجهة صاحبة العمل؟؟ وماذا كان دورهم ورأيهم تجاه الأعمال التي نفذها المقاول (التي يدعون الآن أنها سيئة)؟؟ للأسف الجميع يرمي بفشله وتقصيره على شماعة المقاول..!! وإذا افترضنا جدلا أن هناك سوء نية من المقاول ليتمكن بتحايله من جني بعض الأرباح وزيادتها من خلال تجاوزه ومخالفته لما نصت عليه الشروط والمواصفات والكميات، فهل يمكن أن يمرر المقاول كل تلك التجاوزات والمخالفات بعيدا عن أنظار الجهة صاحبة العمل ومشرفيها واستشارييها، فالمقاول لم تمنح له الجهة الصلاحية ولا الحرية لتنفيذ المشروع بالطريقة والأسلوب التي يرغبها كيف ما شاء، والمخجل حقا هو الغياب التام من الجهة المسؤولة للإشراف والمتابعة، هيئة للمشاريع طالب عبدالوهاب محمد آل مجثل عضو مجلس الشورى بتأسيس هيئة عامة للمشاريع ترتبط بالملك مباشرة. وقال: إن لجنة الشؤون المالية في المجلس اطلعت على التقارير السنوية لديوان المراقبة العامة وناقشتها في عدة جلسات وخلصت إلى أن أجهزة الدولة تحتاج إلى مراجعة وتصحيح جذري، وأرجع أسباب تنفيذ المشاريع الحكومية بصورة سيئة إلى تأخر بعض الجهات الحكومية في إعداد الشروط والمواصفات الفنية والتصاميم الهندسية لمشاريعها، وعدم مرجعية مواصفات مشاريعها الفنية ومخططاتها ورسوماتها الهندسية، مما يؤدي إلى إجراء إضافات أو تعديلات أثناء مراحل التنفيذ، بالإضافة إلى عدم كفاية الاعتماد المخصصة لبعض المشاريع في الميزانية، وعدم كفاءة بعض المقاولين أو تقصيرهم، وعن البدء بالإصلاح للمشاريع الحكومية قال آل مجثل: يجب أن تكون هناك هيئة للمشاريع مرتبطة بالملك مباشرة تشرف على المشاريع الحكومية ومراقبتها ابتداء من التصميم وتنتهي بالتنفيذ. ووصف آل مجثل الوقت الراهن بتنفيذ المشاريع بالأضحوكة، حيث لا يوجد تنسيق أو ارتباط بين الوزارات الخدمية في الوقت التي تعتمد فيه وزارة المالية على الأخذ بأقل العروض المالية المقدمة من الشركات أو المؤسسات المنفذة، دون النظر أو الأخذ بعين الاعتبار الجودة والمواصفات الأفضل. التعثر أولا وسوء التنفيذ ثانيا يقول المواطن سعيد بن عبدالله الزهراني: إن ما أعلنه ديوان المراقبة مؤخرا ليس بجديد حتى على عامة الناس، فضعف الرقابة والمتابعة على المشاريع الحكومية هو السبب الرئيس في إخراجها لنا بصورة سيئة. وأرجع ذلك إلى الإهمال وضعف الرقابة من قبل الجهات الحكومية المشرفة على البناء، وكذلك اللجان الحكومية المشكلة لاستلام المبني من المقاول، لذلك ينبغي على الجهات الرقابية استشعار الوطنية والمسؤولية والقيام بواجباتها تجاه الوطن من خلال المحافظة على ممتلكاته وفق المعايير المعتمدة لدى الجهات المعنية، وتكثيف جولاتها الرقابية الميدانية وعدم الاعتماد على التقارير الكتابية، ويشاركه الرأي المواطن خالد محمد الجازي قائلا: لا يستطيع أي عاقل أن ينكر بأن إدارات الرقابة الداخلية في المملكة تعاني من ضعف واضح، وأكد حاجة الديوان إلى التعرف على أهمية وطبيعة وحجم المشروعات الحكومية للوقوف على ما يترتب على عدم تحقيقها من تبعات وآثار سلبية جسيمة قد تنطوي على نتائج لا تحمد عقباها، مؤكدا أن مشاريع البنية الأساسية وشبكات المياه والصرف الصحي والكهرباء والطرق والمواصلات تأتي في طليعة المشاريع، إضافة إلى مرافق الخدمات الصحية والتعليمية وضرورة توفيرها للمواطنين بجودة عالية.