في الحلقتين الماضيتين من قضية تعثر مشاريع التنمية في جازان، وقفنا في الحلقة الأولى على معاناة عشرات الآلاف من المواطنين الذين طال بهم الانتظار لمنح ضاحية الملك عبدالله، وكذا انتظارهم لقروض صندوق التنمية العقارية والتي رأينا أنها لا تتناسب وحجم الكثافة السكانية العالية في المنطقة. وفي الحلقة الثانية، وقفنا على ما آل إليه ميناء جازان من شلل حتى أصبحت أرصفته خاوية من السفن، ومستودعاته مفرغة من البضائع. وفي الحلقة الثالثة هذه، نسلط الضوء على مقومات التنمية في القطاعين الزراعي والسمكي اللذين مازالا يرزحان تحت وطأة البيروقراطية ويعانيان من تدني القروض الزراعية، والتي لا تتناسب وأهمية المنطقة كونها تستحوذ على 95 في المائة من إنتاج الذرة الرفيعة، و45 في المائة من إنتاج الأسماك. ورغم أهمية ما تضخه جازان من منتجات زراعية وسمكية تسهم في تحقيق الأمن الغذائي لأبناء هذا الوطن، إلا أنها ما تزال بدون كلية أو معهد زراعي، أو شركات تسويقية ومرسى لقوارب الصيادين، فضلا عن أن قروضها أقل من المأمول. رغم أن الدولة افتتحت جامعة جازان محتوية على أكثر من 16 كلية، إلا أنها خلت من كلية للزراعة، بل إن المنطقة برمتها لا يوجد بها معهد زراعي، فهل يعقل كما يتساءل المواطن خالد نمازي أن تخلو منطقة زراعية كجازان تعتبر سلة غذاء المملكة من كلية للزراعة أو معهد لإعداد الكوادر الزراعية الوطنية المؤهلة ليسهموا في تنمية المنطقة؟ وفيما لو تم افتتاح هذه الكلية، فسينعكس أثر ذلك إيجابا على منتجات المنطقة، وتحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي. ورغم أن الدولة منحت جامعة جازان كل الإمكانيات للنهوض بالعملية التعليمية إلا أنها لم تهتم بإنشاء هذه الكلية التي كان من المفترض أن تكون من أولى الكليات التي تضمها. قروض ضئيلة ومنطقة بكل هذه الإمكانيات الزراعية لو وجدت الدعم والتمويل والقروض الكافية من البنك الزراعي، لانعكس أثر ذلك على التنمية الزراعية في المنطقة بشكل خاص والمملكة بشكل عام، فجازان لم تحظ بقروض زراعية كافية بل تعتبر ضئيلة مقارنة بمناطق لا تملك جزءا بسيطا من مقوماتها الزراعية، كما يرى ذلك كل من المواطن عبدالعزيز خرابي وعلي العريشي وسعيد وأحمد خواجي. ويشير تقرير البنك الزراعي أنه منذ إنشائه وحتى العام 1421/1422ه حصلت جازان على 12534 قرضا قيمتها الإجمالية 568 مليون ريال وإعانات بقيمة 200 مليون ريال أي بمعدل 2 في المائة من إجمالي قيمة قروض البنك، بدعوى أن الأراضي الزراعية في المنطقة حيازات صغيرة، وأن بعض أصحاب الأراضي الزراعية لا يملكون الصكوك التي تؤهلهم للحصول على تلك القروض، ولا تتوفر لدى البعض الآخر منهم حجج الاستحكام لأراضيهم التي يطالب بها البنك. ورغم أن البنك استجاب في السنوات العشر الماضية لتوجيهات الدولة بدعم القطاع الزراعي في جازان فزاد من قروضه للمزارعين، إلا أنها تعتبر مبالغ قليلة مقارنة بحجم مساحة المنطقة الزراعية، ما جعلهم يتساءلون عن إصرار البنك الزراعي على عدم دعم وتشجيع الزراعة في جازان والاستفادة من خيراتها. مشكلة السد ومن ناحية، تشير التقارير والدراسات الرسمية لوزارة الزراعة أن منطقة جازان من أغنى مناطق المملكة بالمياه المتجددة، وهذه ميزة إضافية تجعلها من أهم المناطق الزراعية في المملكة، ناهيك عن ارتفاع معدل هطول الأمطار الموسمية خلال شهري أبريل ومايو، وتسقط الأمطار الشتوية خلال شهري نوفمبر ويناير، في حين تعتبر المرتفعات الجبلية في جازان من الشرق، من أكثر مناطق المملكة هطولا للأمطار حيث تصل كميتها إلى 600 ملم في السنة مما يؤدي إلى جريان السيول والأودية التي تنتشر فروعها في سهول المنطقة. ورغم أن جازان تمتلك سدا يعتبر من أكبر السدود في المملكة وقد أنشئ ليلعب دورا بارزا في التنمية الزراعية، إلا أن القطاع الزراعي في المنطقة لم يستفد كثيرا من هذا السد في حفظ مياه الأمطار المنحدرة من الجبال والأودية لاستعمالها لأغراض الري، وتأمين زيادة مساحة الأراضي الزراعية؛ كما أشار إلى ذلك كل من: المواطن عبدالله الجابري وسالم عريشي وعبده معافا، وذلك بسبب تعطل بوابته، وتراكم الطمي في قاعه. الجمعيات الزراعية كما تشير الإحصائيات الصادرة عن وزارة الزراعة أن جازان لم تحظ بدعم الوزارة الكافي فيما يتعلق بالجمعيات التعاونية، فعدد الجمعيات كما يشير كل من المواطن عبدالله حكمي ومحمد سعيد خواجي وأنور مشعلي لا يتجاوز 3 جمعيات فقط بينما تضم المنطقة 13 محافظة، كما أن الدعم المقدم لهذه الجمعيات يعتبر قليلا مقارنة بالدعم الذي تحصل عليه الجمعيات التعاونية في مناطق أخرى. غياب التثقيف إن منطقة بهذا الحجم، وبهذه الإمكانيات الزراعية، يجب أن تحظى بحملات توعية لمزارعيها، كما يؤكد ذلك كل من المواطن عبدالله البيشي وعدنان عبده مريع وسعيد هزازي، الذين أشاروا إلى غياب الدور التثقيفي الذي يفترض أن تقدمه وزارة الزراعة للمزراعين، فدورها في هذا الجانب محدود، تاركة المجال للاجتهادات الخاطئة للمزارعين، مما تتسبب في خسارتهم وتعثر مزارعهم، مشيرين أن مشكلة الزراعة في المنطقة، تكمن في الدعم والتوجيه والإرشاد فيما يتعلق بزراعة المحاصيل ذات النوعية الجيدة وإرشاد المزارعين لمكافحة الآفات، الأمر الذي أدى للعشوائية في زراعة بعض المحاصيل وخسارة المزارعين، فضلا عن عدم وجود شركات تساعدهم على تسويق منتجاتهم. تسويق مفقود ويمثل التسويق واحدا من أهم المشكلات التي تواجه المزارعين في جازان، فأكثر من 50 في المائة من المنتجات الزراعية في المنطقة مصيرها الكساد بسبب غياب شركات تسويق متخصصة تأخذ من المزارعين منتجاتهم بأسعار عادلة. وكنتيجة حتمية لهذه الظاهرة، برزت مجموعات من العمالة الوافدة تمارس النصب على المزارعين في تصريف منتجاتهم، مستغلة غياب تلك الشركات، كما أشار إلى ذلك كل من المواطن علي بخيت وسلمان غزواني وأحمد اللغبي، فيضطر المزارع إلى المغامرة بمنتجاته الزراعية إذ لا خيار أمامه سوى أن يسلم أمره لتلك العمالة لتسويق منتجاته. مرسى الصيادين ولا يقل جانب الثروة السمكية أهمية عن القطاع الزراعي، حيث تستأثر منطقة جازان بنسبة 45 في المائة من إنتاج المملكة من الأسماك، ورغم ذلك لا يوجد فيها مرفأ أو مرسى لقوارب الصيادين، الأمر الذي عرض قوارب الصيادين للتلف، وحول حياتهم إلى معاناة مستمرة، كما يؤكد ذلك الصياد حمود شحار، ونتيجة لذلك يشهد المرسى الترابي القديم عدة مشكلات فهو غير مهيأ، وملوث بمياه الصرف الصحي عند الشاطئ وحول موقع الإنزال، إضافة لغياب الخدمات الأساسية من دورات مياه وغيرها. والغريب أنه كلما اقترب تنفيذ هذا المرسى، أوصت الأمانة بتغيير الموقع الذي تم اعتماده من وزارة الزراعة قبل سنوات، إلى مرسى آخر مما أدى لتأخير تنفيذ المشروع من عام لآخر. وفيما يشير المواطن عيسى شحار أن كثيرا من قوارب الصيادين تتعرض للعواصف ما يؤدي لتحطم بعضها، يشير المواطن محمد بشير أن بعض الصيادين انقطعت أرزاقهم بعد تركهم العمل رغما عنهم، ولم يعودوا قادرين على الصيد في ظل الأوضاع الراهنة، لافتا لأهمية تنفيذ المرسى الذي اعتمد منذ سنين لوضع حد لمعاناتهم.