لم تشهد صنعاء مثل ما يحدث فيها الآن، فما إن انفض سامر المبادرة الخليجية حتى اشتعلت؛ لأن كل شيء كان مرتبا وجاهزا لإشعالها. عدد القتلى والجرحى الذين سقطوا خلال الأربعة أيام الماضية ربما يفوق بكثير عدد الذين سقطوا على مدى الشهور الأربعة من ثورة التغيير.. ها هي صنعاء تحترق. صنعاء التي ما من شاعر يمني على مر العصور إلا وتغنى بها، تئن اليوم تحت أزيز الرصاص ودوي الانفجارات، ليتحول الغناء لها إلى بكاء عليها، وعلى كل اليمن الذي لا يستحق أن يكون ضحية المزايدات والمماحكات والصفقات والأطماع الشخصية.. منذ زمن طويل لم تسقط صنعاء فريسة العنف الدموي بمثل هذا السيناريو الذي كان واضحا جدا أنه سيؤدي إلى هذه النتيجة. وحين قلنا انتظروا ما لا تتخيلوه في اليمن إذا لم يحسم الأمر بسرعة فإن هذا التوقع لم يكن يحتاج حدسا خارقا لأن أطراف الخلاف وضعت نفسها فوق مصلحة اليمن، وأهدرت كل الفرص للخروج به من فوهة البركان قبل أن ينفجر.. منذ اللحظة الأولى بعد رحيل المبادرة من صنعاء أطلق الرئيس علي صالح تحذيراته من الحرب الأهلية، وهي النغمة التي ما فتىء يرددها في الفترة الأخيرة وكأنه يتمناها وينتظرها، إذ بسرعة عجيبة تمت تهيئة الأسباب والذرائع التي فجرت الوضع الذي بلغ أقصى درجات التأزم. كان كل ما يحتاجه ذلك الوضع جرعة بسيطة من الاستفزاز لأي طرف كي يتحول سجال الألسن إلى مواجهة بكل أنواع السلاح الذي يملك الشعب اليمني أكبر ترسانة منه، ولم يستخدم إلى الآن سوى عينة قليلة منه. بسرعة تم تحويل الأنظار من الساحات التي يعتصم فيها المطالبون بالتغيير السلمي إلى حي الحصبة حيث بدأت لغة السلاح تطغى على شعار «سلمية سلمية» الذي صمد أربعة أشهر. في لحظة خاطفة توجه مؤشر البوصلة من ساحة الاعتصام إلى ساحة المواجهة بين النظام وأحد أبرز رموز القوة القبلية، وكأن كل منهما كان يشتهي هذه اللحظة ويتحينها، ليضيع فيها الصوت الأهم، صوت الناس الذين يخاطرون بحياتهم دون سلاح منذ شهور مطالبين بالتغيير تحت مظلة السلم. فهل قامر الطرفان ومن معهما باليمن لتصفية حسابات بينهما، وليذهب اليمن ومن فيه إلى الجحيم؟؟.. وهل سيتم تغيير العنوان من ثورة شعبية سلمية، إلى تمرد على سلطة الدولة تجب مواجهته؟؟.. وهل يمكن خلط الأوراق وتمييع القضية الأساسية بتكتيك كهذا؟؟.. إن حساب البيدر لن يكون كحساب الحقل كما تتوهم الأطراف التي فجرت الوضع، ولن يكون سهلا إيقاف نزيف الدم إذا تم الزج بكل التراكمات المزمنة في هذه المواجهة التي تحدث في ظرف صعب وشائك.. ومع ذلك، سيخرج اليمن من أزمته كطائر الفينيق، وسيحفظ التاريخ في قائمته السوداء كل المزايدين عليه.. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 259 مسافة ثم الرسالة