«قرر المجلس تعليق العمل بالمبادرة لعدم توفر الظروف الملائمة لها».. هكذا كانت النهاية الدرامية لمبادرة دول مجلس التعاون لإنهاء الأزمة اليمنية المتفاقمة منذ أربعة شهور، وهناك تلميحات بأنها قد تسحب ليواجه اليمن وضعا من أسوأ الأوضاع التي يمكن تخيلها.. والحقيقة أن هذه النهاية لم تكن مفاجئة لمن تابع السيناريو الذي وضعه الرئيس علي صالح للتعامل مع المبادرة منذ إطلاقها، لقد وضع أمامها كل ما يمكن أن يعرقلها من شروط ويؤدي بها إلى الفشل، لكن حرص أصحاب المبادرة على اليمن وإدراكهم لوضعه الشائك جعلهم يمضون في إعادة إنتاج أكثر من نسخة معدلة منها لكي يتحقق الوفاق حولها، وبالأصح لكي تقطع طريق الحجج والذرائع.. لقد كان واضحا جدا أن الرئيس صالح لا يريد المبادرة ولا ترك موقعه ولا الدخول في أي نوع من المفاوضات مع أي طرف من أجل انتشال اليمن. بدا ذلك من كيفية التعامل مع الوسيط الخليجي ومبادرته منذ اليوم الأول لإطلاقها، وتأكد ذلك بعد تعمده وضع الأشواك في طريقها كلما وصل أمين عام مجلس التعاون إلى صنعاء، لكن كان الظن أنه سيعي في نهاية المطاف أنه لا يوجد خيار آخر له ولليمن أفضل مما تضمنته المبادرة. بيد أنه للأسف أثبت أنه لم يستوعب هذه الحقيقة ومصمم على أن ينتحر سياسيا.. لم يحصل حاكم من الذين قامت ضدهم الثورات على ما حصل عليه علي عبدالله صالح. لقد حصل على ضمانات لا يحلم بها مع الظروف التي يواجهها، لكنه ظن أنها تحققت نتيجة صلابة موقفه وضعف موقف الآخرين، وبالتالي ما المانع من اللعب بورقة الوقت ليبقى في موقعه بعد أن ينهار صمود المعارضة. هكذا كانت استراتيجيته، وهكذا حسبها مع مستشاريه وحزبه، واتبع تكتيكا يعتمد على أن تظل المبادرة مطروحة وفي نفس الوقت التلويح بالعصا للشعب اليمني. أي الظهور على الخارج كمن يرغب في الحل السلمي من خلال المبادرة، ولكن مع التلويح بالعصا للداخل والتلميح بأنه لن يتزحزح من كرسي الرئاسة. ومع كل ذلك لم يكن أحد يتوقع بعد موافقته على الموعد النهائي للتوقيع على المبادرة بصيغتها النهائية أنه سيخرج قبل الموعد بيوم واحد ليقول ضمنا أن المبادرة تشكل مؤامرة على الشرعية الدستورية وأن الأطراف الخارجية تريد حكما ضعيفا في اليمن، وإلى آخر المنظومة الكلامية التي يرددها منذ بداية الأزمة، وزاد عليها في المرة الأخيرة طلبه من الأشقاء والأصدقاء أن يلبسوا نظارات بيضاء بدلا من النظارات السوداء ليشاهدوا الذين احتشدوا للمطالبة ببقائه. كان واضحا أنه بهذا الكلام يلمح إلى أنه سيضع عقبة أخرى وأن شيئا لن يتم كما التزم به، وهكذا كان بعد أن ابتدع مشهد اشتراط توقيعه ب«انصياع» أطراف المعارضة للحضور إلى القصر الجمهوري والتوقيع في قاعته الكبرى، بعد أن وقع ممثلو حزبه ووقع ممثلو المعارضة قبلهم، وبعد تنفيذ فصل مسرحي سيئ بمحاصرة الوسطاء في السفارة الإماراتية من قبل مناصريه. امتنع علي صالح عن التوقيع في أدق لحظة تأريخية وأحرجها. لقد نفذ الشعب اليمني المدجج بالسلاح احتجاجات سلمية لم يكن أحد يتوقع خروجها بذلك الشكل السلمي الرائع، كما أنه قدم تنازلات كبيرة للرئيس احتراما لدور الوسطاء والخروج باليمن من الأزمة، لكن ثبت أن الرئيس علي صالح لا يرى سوى القصر الجمهوري وكرسي الرئاسة رغم كل ما حدث، ورغم أن المجتمع الدولي قرر أن عليه تسليم السلطة، ورغم أنه سيبقى وحيدا بعد سحب المبادرة.. انتظروا ما لا تتخيلوه في اليمن إذا لم يحسم الأمر بسرعة. [email protected] للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 259 مسافة ثم الرسالة