ما زالت مسألة السماح للمرأة بقيادة السيارة تثير المجتمع بشكل عام، حيث اختلفت الآراء المتداولة في المواقع والمنتديات الإلكترونية بين مؤيد ومعارض، فهناك من يرى أن قيادة المرأة ضرورة حتمية، للحد من خلوتها مع السائق الوافد، مشيرين الى قدرة المرأة على قيادة السيارة، فيما يرى آخرون أن قيادة المرأة للسيارة، ستخلف العديد من الإشكالات في المجتمع وأولها المضايقات والتحرش. ويعد قرار قيادة المرأة للسيارة، قرارا اجتماعيا وليس قرارا صادرا من وزارة الداخلية، حيث أكد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في حديث سابق أن قرار قيادة المرأة للسيارة هو قرار اجتماعي، وأن دور الدولة هو توفير المناخ لأي قرار يراه المجتمع مناسبا وبما ينسجم مع مبادئ الشريعة الإسلامية وتعاليمها التي قامت عليها الدولة، وقال الملك: عندما خرجت المرأة إلى ميادين العلم هيأت لها الدولة البيئة الملائمة ووفرت لها كل الظروف والإمكانيات التي تتفق وتقاليدنا الإسلامية العريقة ما أتاح لها أعلى الدرجات العلمية، وكذلك الأمر عندما خرجت المرأة إلى ميادين العمل طبيبة وأستاذة ومهندسة وسيدة أعمال وموظفة حكومية وأيضا في القطاع الخاص. وأعلن ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء الأمير سلطان بن عبدالعزيز وزير الدفاع والمفتش العام في 23/11/1426ه، أن مسألة قيادة المرأة للسيارة تخص الآباء والأزواج والإخوان ولا علاقة للحكومة بها، ومتى ما طلب هؤلاء أن تقود المرأة السيارة سننظر في ذلك، وإذا «طالبوا بالعكس فلن نجبرهم». من جهته، وصف صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، الجدل الدائر حول المطالبة بقيادة المرأة للسيارة بأنه جدل ليس له معنى وهو شأن اجتماعي يقرره المجتمع. وفي تصريح آخر صادر في 26/1/1420ه، أكد الأمير نايف عدم وجود أية نية أو رغبة لدى الدولة بشأن السماح للمرأة بالقيادة في السعودية، ويأتي هذا التأكيد حسما للهمس الدائر وقتها، حول وجود دراسة بخصوص التوجه للسماح بقيادة المرأة في البلاد، وقال: لا توجد دراسة بهذا الخصوص وأن كل مجتمع له خصوصياته. في وقت حسم نائب وزير الداخلية صاحب السمو الملكي الأمير أحمد بن عبدالعزيز، أمر قيادة المرأة للسيارة بالقول إن أي مطالبات ترد من اية جهة تحتمل الصح والخطأ، بينما قيادة المرأة للسيارة في المملكة سبق ان صدر بشأنها بيان للعموم سنة 1411ه، بعدم السماح للمرأة بقيادة السيارة، وهذا بالنسبة لنا كوزارة داخلية ما زال قائما، ونحن مهمتنا تطبيق النظام والامر النافذ يبقى العمل به. وكان هيئة كبار العلماء قد أصدروا في 20/4/1411ه، فتوى عن قيادة المرأة للسيارة من كل من سماحة الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، فضيلة الشيخ عبدالرزاق عفيفي نائب رئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء وعضو هيئة كبار العلماء، فضيلة الشيخ صالح بن محمد اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى بهيئته الدائمة وعضو هيئة كبار العلماء، بعدم جواز قيادة النساء للسيارات ووجوب معاقبة من تقوم منهن بذلك بالعقوبة المناسبة التي يتحقق بها الزجر ومنع بوادر الشر لما ورد من أدلة شرعية توجب منع أسباب ابتذال المرأة أو تعريضها للفتن، وجاء في الفتوى أن قيادة المرأة للسيارة تتنافى مع السلوك الإسلامي القويم الذي يتمتع به المواطن السعودي الغيور على محارمه. وبالعودة الى قضية منال الشريف التي قادت السيارة في مدينة الخبر السبت الماضي وتم التحفظ عليها في اصلاحية الدمام، ومددت الجهات المعنية إيقافها مدة عشرة أيام اعتبارا من أمس الخميس. علمت «عكاظ» أن سجن النساء في الدمام تلقى خطابا من شرطة الخبر أمس يقضي بتمديد إيقاف الشريف، حتى استكمال مجريات القضية، وقد أكد ذلك، مساعد الناطق الإعلامي للسجون في المملكة النقيب عبدالله بن ناصر الحربي. وكان أحد أحياء شمال محافظة الرس، قد شهد وسط الأسبوع الماضي، حالة إيقاف امرأة في الأربعين من عمرها تقود سيارة وتم التعامل مع تلك الواقعة مروريا، وبين مصدر في مرور المنطقة، عدم تسجيل حالة مماثلة أو حوادث مرورية في الفترة الأخيرة خلفها نساء، وحول قيادة المرأة للمركبات خارج النطاق العمراني وفي الصحراء، قال المصدر، إن مسؤولية المرور لا تتعدى شوارع وطرقات المدن فقط وليس لدينا معلومات بهذا الخصوص. فيما أكد هواة القنص في الصحارى، أنهم يشاهدون في فترات متفاوتة في الصحارى البعيدة نساء يقدن سياراتهن ولم تسجل حالات او ارقام محددة حيث تتوقف قيادة المرأة للسيارة في تلك المواقع وتهدف لإيصال الماء والغذاء للمواشي في كثير من الحالات والمساعدة في الرعي. وفي المنطقة الشرقية، تقود عشرات من النساء السعوديات سياراتهن يوميا داخل حرم شركة أرامكو السعودية، في توصيل أبنائهن للمدرسة أو التوجه لمقار عملهن، أو أثناء توجههن إلى الأسواق لتأمين احتياجات الاسرة وهو سيناريو يتكرر يوميا من دون أن يترك أي أثر لدى المارة. وبين عدد من النساء اللاتي خضن التجربة، أن هذا الأمر لا يشكل أي جديد في حياتهن اليومية، خصوصا أنهن يقدن السيارات في حدود بوابة الشركة المطلة على طريق الدمامالظهران السريع، وبينت هؤلاء النسوة أن نسبة الحوادث التي تتسبب فيها المرأة لا تشكل أية ظاهرة ولا تلفت النظر إطلاقا. وقالت هيفاء علي، إنها تقود سيارتها داخل أرامكو، وأضافت «قيادة المرأة لا تشكل عبئا على المجتمع، فأرامكو السعودية تسمح للمرأة بقيادة السيارة داخل مجمعاتها ولا توجد أي مشاكل مسجلة بحقها» وزادت «على العكس نجد الاحترام من الموظفين وحراس الأمن، وجميعهم سعوديون». وبينت هيفاء، وجود عدد كبير من النساء اللاتي يقدن سيارتهن بأمان برخص صادرة من أرامكو، «ولكن الخشية في الطرقات خارج أسوار الشركة حيث عشوائية المراهقين والشوارع غير المؤهلة»، وأضافت: قيادة المرأة لسيارتها آمن من قيادة السائق الأجنبي الذي لا يقود السيارة بشكل صحيح. المرأة أكثر التزاما من جانبها، بينت أمل الرويعي، أنها تقود سيارتها داخل أرامكو منذ 15 عاما تقريبا، وترى أن المرأة أكثر التزاما بأنظمة المرور من الرجال بدليل نسب الحوادث المسجلة بحقها، وأضافت: المرأة تقود سيارتها داخل حرم أرامكو منذ الصباح الباكر وملتزمة بأسس صارمة في القيادة، وتراعي أنظمة المرور المرعية. وأبدت فوزية محمد (موظفة) معاناتها من أجور السائقين المرتفعة ومن سائقي سيارات الأجرة، لتطفلهم وحشريتهم، وقالت «لهذه الأمور مجتمعة أؤيد قيادة المرأة للسيارة ولكن بضوابط». من جانبها، تقول أمل الحربي (موظفة وأم لأربعة أبناء)، إنها كانت ترفض في البداية مبدأ قيادة المرأة للسيارة «ولكن بعد انتقال عمل زوجي لخارج جدة أصبحت مسؤولة عن قضاء احتياجات أبنائي وعملي، ولأن راتبي لا يغطي مصاريف استقدام سائق وتوفير سكن له اضطررت للجوء لسيارات الأجرة التي تلتهم نصف ميزانيتي إلى جانب فضولهم على الحياة الشخصية والمعاكسات»، وقالت «أرى أن يسمح بقيادة المرأة للسيارة وفق ضوابط تشمل العمر والوقت وعدم التنقل بين مناطق المملكة، على أن يتقبل المجتمع الفكرة». وتؤيد ذكرى غنام(طالبة) الخطوة بشدة لعدة أسباب خصوصا أنها تستطيع توفير سائق خاص، ويرفض زوجها استخدامها سيارات الأجرة، وقالت «قيادة المرأة للسيارة ستمكنها من أداء التزاماتها بسهولة». كائن ضعيف وعلى النقيض، لا تؤيد زينب حسن (موظفة) الخطوة بشكل قطعي بسبب الخوف، وقالت: المرأة كائن ضعيف لا يتحمل زحمة السير أو التعرض لعطل السيارة، لذا أفضل وجود السائق مع بعض الضوابط. في حين ترفض خديجة هاشم (ربة منزل) قيادة المرأة للسيارة وتبرر الرفض بخوفها من المضايقات في الشوارع. من جانبه، قال الدكتور عمر الخولي أستاذ القانون في جامعة الملك عبدالعزيز والمستشار القانوني لهيئة حقوق الإنسان، إن ما صدر عن أصحاب الفضيلة في عام 1411 ه يعد فتوى في نازلة معينة، وكان من المفترض وضع هذه الفتوى في قالب تشريعي من السلطة التشريعية، ومن ثم تتولى الأجهزة التنفيذية في الدولة مراقبة مدى الالتزام بما ورد في النص، وذلك تلافيا للدخول في مسألة هل الفتوى أيا كان نوعها، ملزمة بصورة آلية أم يتعين صبها في قالب تشريعي. وأضاف: بصفة عامة فإن القانون يجب أن يحترم سواء كان مكتوبا أو على هيئة قوانين غير مكتوبة، مثل القوانين القبلية وقوانين المجتمع، بصرف النظر عن مدى القناعة بها من عدمها. وزاد قائلا: وحول الحالة الماثلة بشأن قيادة منال الشريف للسيارة، فإن فعلها يمثل انتهاكا لمحظور يتعين معه الإحالة من جهة الضبط إلى هيئة التحقيق والادعاء العام، التي لها صلاحية حفظ الدعوى او إقامتها أمام المحكمة الجزئية في الخبر للمطالبة بتعزيرها بعقوبة تقديرية تخضع لتقدير القاضي. وخلص إلى القول «توقيف من تقود السيارة (حبسا احتياطيا) الى حين محاكمتها أمر محل نظر، كون المخالفة او الجريمة ليست مندرجة ضمن الجرائم الكبرى الموجبة للتوقيف والمحددة بالقرار الوزاري رقم 1900 ما لم يكن قد تم توصيفها ضمن الجرائم المخلة بأمن الدولة والتي تجيز حبسها احتياطيا. المصالح العامة وفي ذات السياق، قال أستاذ السياسة الشرعية والأنظمة المقارنة ونظم الحكم والقضاء والمرافعات الشرعية، والخبير بمجمع الفقه الإسلامي الدولي، والمحكم القضائي في وزارة العدل الدكتور حسن بن محمد سفر، إن الشريعة الإسلامية كرمت الإنسان ووضعت وظائف في الحياة في إطار حفظ النفس، ورعاية مصالحه الخاصة والعامة، ومنها جاءت الانطلاقات بتقديم المصالح العامة على الخاصة، وإن التطور وزحف المدنيات فرض واقعا جديدا ومنه وسائل النقل وقد أخذ الرجل نصيبه من تلك الوسائل، وكذلك تحتاج شريكته إلى هذه الوسائل غير أن الغايات والمقاصد تختلف لا سيما في قيادة المرأة للسيارة. وأضاف: قيادة المرأة للسيارة باتت أمرا ضروريا لا بد منه، وفق آليات تكون من باب الحشمة وتكون القيادة في إطار المدن كمرحلة أولى، ومن ثم دراسة المرحلة هذه بكل إيجابياتها وسلبياتها حتى يتعود المجتمع، وبما أن المملكة تعد أنموذج الإسلام، فإن طرح القضية أدى إلى ظهور معارضين للخطوة وذلك من منطلق المحاذير ومنظور المحافظة على المرأة. وأوضح الدكتور سفر، أن المجتمع لم يتهيأ بعد على ذلك، إذ لا بد من أن تهيأ الوسائل التي تساعد على قيادة المرأة للسيارة، وقال «أرى أن تعقد الندوات لتوضيح هذه المسألة من قبل أعضاء هيئة كبار العلماء ومجالس الأحياء، خصوصا أن بناتنا المبتعثات يمارسن قيادة السيارة». وبدوره، أشار الكاتب الاقتصادي الدكتور حبيب التركستاني إلى أن قيادة المرأة للسيارة قضية مهمة ينبغي أن يتوافر لها مبدأ التوافق والإجماع وليس من منطلق الاختلاف، ويجب التوقف عندها وتأملها من جميع النواحي، وبما يعني وضع كل الايجابيات والسلبيات، خصوصا أن هناك أمورا كثيرة تعيقها منها عدم جاهزية المجتمع لتقبل قيادة المرأة للسيارة، وأعني توافر البنية التحتية والأساسية التي تساعد وتضبط عملية قيادة المرأة للسيارة، في ظل ما تعانيه الشوارع من زحام كبير داخل المدن، إضافة إلى عدم وجود الخدمات لهذه السيارات، باعتبار أن قيادة المرأة للمركبة باتت ضرورة تفرضها الحياة العصرية وما يتبعها من استحقاقات اقتصادية واجتماعية على حد سواء. وأكد الشيخ عبدالمحسن العبيكان المستشار في الديوان الملكي، إمكانية إعادة النظر في أي من الفتاوى التي سبق أن صدرت وأضاف «كل الفتاوى ممكن أن يعاد النظر فيها مرة أخرى»، مستشهدا بقول الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه «تلك على ما قضينا.. وهذه على ما نقضي». وزاد «عموما، في أية مسألة اجتهادية قد يتغير الاجتهاد ويعيد المفتي النظر فيها ويغير رأيه الأول بناء على ما ظهر له أخيرا»، ممتنعا في الوقت نفسه عن التعليق على أي من فتاوى قيادة المرأة للسيارة.