أول مرة سمعت فيها اسم الدكتور علي بن محمد الرباعي، كانت عندما تردد ذكر اسمه في صحفنا المحلية مرتبطا بقضية نشبت بينه وبين النادي الأدبي في الباحة، إثر تعليق قاله، فأسيء فهمه وأثيرت حوله ضجة جعلت اسمه يبرز متوهجا في أذهان الناس. في بداية هذا العام، أهداني الدكتور الرباعي كتابه (الصحوة في ميزان الإسلام: وعاظ يحكمون عقول السعوديين) في طبعته الثانية. ورغم أن الكتاب في شكله صغير الحجم، محدود الصفحات، إلا أني آنذاك لم أجد حماسة تدفعني إلى (تفريغ) نفسي لقراءته، فظل الكتاب مرفوعا على الرف بين بقية الكتب ينتظر الوقت الذي قد يقرأ فيه. في هذا الفصل الدراسي أسند إلي تدريس مقرر عن التربية والتغير الاجتماعي لطالبات الدكتوراه في تخصص أصول التربية، وكان من الطبيعي أن يجيء في سياق الحديث عن التغير الاجتماعي، التطرق لما طرأ على الخطاب الديني في مجتمعنا من تغير، وما شابه من تحولات بارزة في مضمونه ومنهجه وأدواته، وذلك عبر الخمسين عاما الماضية. وهنا تذكرت الكتاب، فعدت إليه بعد أن حان الوقت لقراءته. ألقيت نظرة على الفهرس، ثم انتقلت إلى المقدمة، فوجدت الكاتب في مقدمته يتحدث بروح الكاتب المتجرد، متواضعا في نغمته إلى أبعد حد، فهو لم يتردد في أن يذكر أن بعض أصدقائه وصفوا الكتاب في طبعته الأولى بالسطحية والضحالة والافتقار إلى المنهجية، وأنه تقبل ذلك منهم برحابة صدر راجيا أن يستفيد من بعض ما قيل.. هذه المقدمة كانت مشجعة لي على المضي في القراءة، فكاتب لا يرى غضاضة في أن يذكر ما قيل عن كتابه من عبارات سلبية، هو في ظني كاتب مملوء بالثقة في قيمة ما يطرحه للناس. وجدت الكتاب في مضمونه يمثل وثيقة تاريخية لنشوء الحركة الصحوية في المملكة منذ الستينات الميلادية، ولعل قيمة الكتاب الفعلية تتبلور في كونه مكتوبا بيد أحد أتباع الصحوة الذين تحرروا من دائرتها في هذا العقد، ولذلك فإن محتوى الكتاب يصلح نموذجا لدراسة ما طرأ من تغيرات في الفكر الديني عبر السنين. حملت الكتاب ووضعته أمام طالباتي ليضاف إلى ما لديهن من مصادر المعرفة في هذا الجانب، فمثل هذا الكتاب يرتبط بواقع المجتمع ويسرد وقائع مازالت حية في ذاكرة الناس، فهو ليس فكرا تنظيريا ولا نصا عاطفيا متحيزا، إنما هو سرد لحقائق قد يعرفها بعض المعاصرين ولكن ينبغي أن تحفظ للتاريخ لتطلع عليها الأجيال القادمة.. مثلا يغلب على الناس القول بأن أزمة التعايش السلمي مع الآخر، التي يعاني منها المجتمع وكانت سببا في وقوع مشكلات كثيرة له، هي بسبب طبيعة ثقافة المجتمع، لكن المؤلف في تحليله لتلك الأزمة، يرى أنها أزمة مفتعلة أوجدتها حركة الصحوة، بالتعايش السلمي مع الآخر كان موجودا قبل حقبة الثمانينات، ولم تظهر هذه الأزمة إلا بعد أن انتشر دعاة الصحوة في المجتمع. أي أن رفض الآخر وعدم القدرة على التعايش معه، ليس أصلا في طبيعة الثقافة كما يشاع عنها، وإنما هو شيء أدخل إليها عنوة عبر ما تفجر في المجتمع من نشاط ثقافي صحوي خلال عصر بزوغ الصحوة. فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة