في عام 1390ه قرّر وزراء خارجية الدول الإسلامية إنشاء بنك دولي إسلامي لإقامة نظام مصرفي على أسس إسلامية، فهل هناك فرق بين المصرفية الإسلامية والتقليدية، على أرض الواقع ليس هناك فرق فكلاهما واحد، لأن عبارة بنك إسلامي وبنك ربوي تكتنفها معاني المجاهرة بالكبائر، فضلا عن أنها غير صحيحة، وحتى وإن كانت صحيحة فإن نعت البنك بالربوي تكتنفه معاني الإقرار والرضا بهذا الشيء وهو من الكبائر المعلوم تحريمها من الدين بالضرورة، ومما يجب إنكاره ومناوأته لا الإقرار به في وطننا الإسلامي، يقول سيدنا عمر «الفتاوى 23/175» (من أظهر لنا خيراً أحببناه وإن كانت سريرته بخلاف ذلك، ومن أظهر لنا شراً أبغضناه وإن زعم أن سريرته صالحة). فالفجور أمر باطن لا يعلم ويجب ستره لا إظهاره فإن الله يبغض ذلك، فالعقود البنكية التي يبرمها الناس مع البنوك للاقتراض الشخصي لا يجمل بأحد من الناس نعتها بأنها ربوية طالما أنها خالية من شروط الزيادة ولم ترد صراحة في صلب العقد. فالعقد صحيح ولا يجوز التشهير به، والواجب حمل تصرفات الناس على الصلاح وحسن الظن بهم، كما قال السرخسي في المبسوط 6/46 وابن قدامة في المغني 5/206 لا سيما إذا اكتنف المسألة الاحتمال، والاحتمالات في هذه العقود كثيرة وواردة ولا يدخل المرء بين العبد وربه ليعلم ما في الصدور من المقاصد والنيات، ونية المؤمن أبلغ من عمله والذنب ما دام مستوراً فمصيبته على صاحبه. ابن تيمية الفتاوى (23/237). وكم أباح الله للعبد من ارتكاب المخاطر في أحوال لا يعلم تقديرها إلا الله، والعبد نفسه ومجرد وجود الاحتمال في مثل هذه القروض يكفي لدرء المفاسد عن الناس ونفي التهم والشبهات عنهم، إذ الأصل براءة الذمة والصلاح وحسن الطوية كما قال ابن قدامة المغني 7/424 وابن همام فتح القدير 4/359، وبراءة الذمة وحسن الطوية هو الأصل في التعامل بين الناس، بل هو اليقين الذي لا ينبغي لأحد من الناس أن يرفعه بالشك والظنون، يقول عليه الصلاة والسلام ادرءوا الحدود بالشبهات، وهذه قاعدة يتفرع عليها وجوب الأخذ بأسباب الستر والصون وحمل تصرفات الناس على الصلاح والتقوى، طالما أن في الأمر سعة ولئن يخطئ المرء في الحكم بالبراءة على أحد من الناس خير له من أن يخطئ في الحكم عليه بالتجريم، إن المنافع التي تقدمها البنوك اليوم ليست جديدة إذا ما نظر إليها من حيث الجوهر والمضمون، لقد قام الأولون بعمل هذه البنوك من مداولات ومعاملات مصرفية وتحويلات وإصدار بطاقات ائتمان وأخذ عوائد على رأس المال مما يؤكد أن أعمال البنوك اليوم لها أصل في الشرع فلا يجب والحال كذلك أن ننعتها بالربوية، ويقول البعض إن الغرامة التي تؤخذ من تأخر سداد التمويل من المصارف الإسلامية وكذلك الفوائد تدخل في حساب خاص يتم من خلاله التبرع بها للجمعيات الخيرية، لأنها أموال غير نظيفة أي (نجسة) وأن هذه الأموال يتم التصدق بها في أوجه الخير والإحسان ولوجه الله، فهل يجوز أن يعطى لله مال خبيث نجس، هذا قول عظيم أعظم من القول بأن العائد على رأس المال في الودائع ربا. فالله طيب لا يقبل إلا طيباً كما يقول الحق سبحانه «ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون» أي لا تقصدوا الخبيث والرديء من أموالكم فتخصوه بالإنفاق منه، محذراً من التساهل والتسامح في إخراج الصدقات وإشارة إلى أن تكون من أفضل الأموال وأحبها إلى الباذل، يقول الحق «يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم» أي أنفقوا من جياد أموالكم المكسوبة من النقد والسلع التجارية فلن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون، يقول المراغي في تفسيره 3/39 «ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه» أي كيف تقصدون الخبيث وتتصدقون به وحده، ولستم ترضون مثله لأنفسكم إلا أن تتساهلوا فيه تساهل من أغمض عينيه عنه فلم ير العيب فيه، ولن يرضى ذلك أحد لنفسه إلا وهو يرى أنه مغبون مغموض الحق، ألا ترى أن الرديء لا يقبل هدية إلا بإغماض فيه وتساهل مع المهدي لأن إهداءه يشعر بقلة الاحترام لمن أهدى إليه، والذي يقبله مع الإغماض إنما يقبله لحاجته إليه، والله لا يحتاج فيغمض، فالله غني عن إنفاقكم وإنما يأمركم به لمنفعتكم فلا تتقربوا إليه بما لا يقبله لرداءته وهو المستحق للحمد على جلائل نعمائه ومن الحمد اللائق بجلاله تحري إنفاق الطيب مما أنعم به، ولقد دخل رسول الله على فاطمة الزهراء وهي تجلي درهماً تنوي أن تتصدق به وتنظفه وتلمعه فسألها الرسول عليه الصلاة والسلام عما تفعل فقالت إني قد علمت أن هذا الدرهم سوف يقع في يدي الله فأردت أن يكون نظيفاً لامعاً، فلم تكتف ابنة الرسول الكريم بالنظافة المعنوية بل بالغت في النظافة لتشمل الحسية فكيف نغالط الحقائق ونعطي الله مالا خبيثاً. نتحاشى أن نأخذه لأنفسنا ونتشدق بأننا نصرفه في أوجه الخير طلباً للمثوبة. فالله لا يقبل صدقة من مال حرام. لقد أجاز مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثالثة في الأردن للبنك الإسلامي للتنمية أخذ الفوائد على ودائعه في البنوك الأوروبية والأمريكية باعتبار أن هذه الفوائد لو تركها البنك لهم لتقوى بها أعداء الإسلام على المسلمين في شراء الأسلحة والتنصير، فلزم أخذها وصرفها في مصالح المسلمين وزاد البعض أن الودائع المصرفية إنما تودع حقيقة لدى البنوك العالمية في أمريكا وأوروبا وهذه الدول إنما هي دار حرب ولا ينعقد معنى للربا فيها أصلا لحديث مكحول عن رسول الله عليه الصلاة والسلام «لا ربا في دار الحرب» وقد أخذ بهذا المعنى أبو حنيفة في أن المال المستولى عليه من هذا السبيل لا يتحقق فيه معنى للربا أصلا لأنه مال غير معصوم، فإذا جاز أخذ مال الحربي قسراً، جاز أخذه برضاه من باب أولى، والعوائد في بنوكهم إنما يدفعونها برضاهم، وزاد الحنيفية بأن العباس كان يتعامل بالربا مع مشركي مكة وثقيف بعد إسلامه وقبل الفتح، وكان ذلك بعلم رسول الله حتى جاء عام الفتح فوضع الرسول ربا العباس وغيره، ولا يتحقق معنى للوضع إلا بعد أن يكون قائماً قبل الفتح، ومكة قبل الفتح إنما هي دار حرب وإن كانت في صلح ومهادنة كما هو الحال مع الدول الأجنبية اليوم، فلا نقفز على الحقائق ونعطي لأنفسنا ما ليس لنا حق فيه. فاكس/6975040 [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 148 مسافة ثم الرسالة