تدعم وزارة العدل ملتقى قضائيا السبت المقبل في جدة، يتناول موضوع تسبيب الأحكام القضائية من عدة جوانب، ويستمر لمدة ثلاثة أيام. ويشارك في الملتقى الذي يطلقه وزير العدل الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى قضاة من محاكم الدرجة الأولى والاستئناف والمحكمة العليا وخبراء قانونيون، ويتناول موضوعا رئيسا يتضمن تسبيب الأحكام القضائية من خلال أحكام وقواعد الشريعة الإسلامية ونصوص النظام ومبادئ القضاء في المملكة والنظام المقارن. من جهته، أوضح ل«عكاظ» مستشار وزير العدل المتحدث الرسمي للوزارة الدكتور عبد الله بن حمد السعدان أن الملتقى يأتي في إطار المراحل العلمية المندرجة تحت مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير مرفق القضاء، لافتا إلى أن «الدولة أسست على يد المغفور له الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن على أحكام الإسلام عقيدة وتشريعا وجعلت منهجها القضائي شريعة الله فحفظت للإنسان كرامته وحقوقه». وبين أن الملتقى يناقش حقيقة تسبيب الأحكام الجنائية وعناصره وشروطه، الأبعاد المؤثرة في قيمة تسبيب الأحكام، تسبيب الأحكام الجنائية في حالة تعدد التهم، دور التسبيب في إقناع الخصوم والرأي العام، مكانة المواثيق الدولية في تسبيب الأحكام الجنائية. وأفاد بأن الملتقى يهدف من خلال جلساته ونقاشاته إلى تزويد المشاركين بالمعلومات اللازمة حول حقيقة تسبيب الأحكام، كما يكسب المشاركين مهارات الرد على الدفوع حال تسبيب الأحكام الجنائية، والمعلومات التي يمكن من خلالها معرفة عيوب تسبيب الأحكام الجنائية ومفهوم القصور في التسبيبات وفساده. من جانب آخر، أوضح وزير العدل الدكتور محمد العيسى، أن الأسباب تعد مناط الحكم وعليها مداره؛ لأنها مرتكز قياس الأداء الفني في الحكم نفسه وفي تقويم ملكة مصدره وقياس رصيده العلمي. وقال في كلمة أعدها حول مفهوم التسبيب إنه «كثيرا مايؤخذ على الحكم قصور أو ضعف في التسبيب (الانعدام الجزئي له)، ويرد على مصدره؛ لهذا العيب الإجرائي في توصيفه الشكلي، مع التسليم بسلامة منطوقه الذي يمثل شقه الموضوعي، معتبرا أن هذا الأمر في طليعة مقاييس التفتيش القضائي. وبين العيسى، أن كتابة الأسباب هي الركن الأهم في بناء الحكم، وتزيد أهمية في المملكة؛ لكون أحكامنا منسوبة للشريعة المطهرة، كما أن القاضي يوقع عن حكمها، مضيفا «من هنا ثقل تعارض الأحكام الشرعية وتباينها في الواقعة الواحدة، وصارت المطالبة بمدونة للأحكام لها حظ من النظر، ونحن إليها أكثر حاجة من غيرنا من هذا الوجه، فإذا كان من لا يحكم بشرع الله لا يرتضي تعارض وتضارب أحكامه عند اتحاد وقائعها وهي من عند غير الله ؛ سعيا منه لتسديد عيبها ما وسعه التسديد، فكيف والشأن يتعلق بحكم الله المحكم». وزاد «إذا كانت الحاجة بضبط الفتوى ملحة؛ فهي في الأحكام القضائية أكثر إلحاحا وحاجة، وكل هذا لا يحول عن واجب البحث والدرس في نصوص الشريعة ومدونات أهل العلم؛ وصولا للحق الذي يدان الله به، فإن كان خلاف ما قضت به المدونة، أو ما استقر عليه العمل القضائي بين ما يراه (مسببا وجهة نظره)، وإلا لزم جادة ما دون، وما استقر عليه قضاؤه، والتراتيب الأولية في فكرة تدوين الأحكام القضائية على هذا الخطو الميمون». وذكر وزير العدل، أن تسبيب الأحكام يكشف عن مستوى المادة، والملكة القضائية، ويؤسس للحكم ببيان شاف لا مصادرة فيه ولا غموض، ويجعل من يشرف على الحكم على بينة من أمره في دراسة ما انتهى إليه الحكم الابتدائي أو الاستئنافي، مبينا أن قصور التسبيب عيب إجرائي له أهميته؛ إذ يتجاوز مأخذه في قياس من لا يعلم مصدر الحكم إلى مصادر تلقيه، وإن كانت مصادرنا من ضعفه وفواته براء. ونبه إلى أن حسن التسبيب يزيد من رونق الحكم تأسيسا وبيانا، وهو من قبل ومن بعد منسوب للشرع، مشيرا إلى أن هذا المعنى الدقيق يتجلى في مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «زينوا القرآن بأصواتكم»، وقال «يبدو مشهد من إعجاز الشريعة، وبركة علومها في تقديم أحكام قضائية مبنية على أسباب جامعة مانعة في معانيها وألفاظها ومبانيها، مباركة الابتداء ميمونة الانتهاء». ولفت إلى أن من أدق عيوب الأسباب: تناقضها، مبينا أن لذلك صورا عديدة، منها: صدور حكم من محكمة الاستئناف مؤيد للحكم الابتدائي بقبول تدخل أحد الأطراف، ثم رفض طلبه الاستئناف؛ تأسيسا على عدم علاقته بأصل الدعوى، كما أن منها: فساد الاستدلال، كالبناء على وقائع متعارضة، ويزيد من حسن التسبيب دفع الإيراد، وكشف ما يتوقع من وهم، بمثل عبارة: «ولا يرد على ما ذكر ...»، «ولا يذهب الوهم ...»، ونحو ذلك.