نعى عدد من المثقفين والمؤرخين الأديب عبدالله بن خميس، معتبرين وفاته خسارة كبيرة للساحة الثقافية التي تزينت بإبداعاته ونتاجه الشعري والنقدي المميز طوال مسيرته الحافلة بالعطاء. وأكد الدكتور عاصم حمدان أن عبدالله بن خميس هو رائد من رواد الصحافة في بلادنا وأيضا من رواد البحث التاريخي ويتجلى ذلك في كتابه «المجاز بين اليمامة والحجاز»، وكما عمل ابن خميس على تحقيق المواضع التاريخية في الجزيرة العربية فإنه عمل أيضا على تأصيل الصلة بين الشعر والمكان، فكان يبحث عن الشواهد الشعرية التي قالها الشعراء العرب في مناسبات مختلفة وكان يربطها بالواقع المكاني الموجود اليوم، ومع أنه يقول الشعر الفصيح ويحسن أداءه فإنه كذلك اهتم بالشعر الشعبي في الجزيرة العربية الذي هو الآخر يعطي طرفا من تاريخ هذه الجزيرة. وفي سياق متصل، قال مدير عام الأندية الأدبية عبدالله الأفندي «كان رحمه الله أديباً ألمعياً وكان من الرعيل الأول من الأدباء والمثقفين الذين أثروا الحراك الثقافي والأدبي في المملكة، فقد كان شاعراً لا يشق له غبار وكان أديباً معتدلا أثرى الحراك الثقافي بأدبه النثري والشعري وأصدر العديد من الكتب التي كان لها أثر كبير في تسجيل وتوثيق الأدب السعودي، وقد تتلمذنا على يده رحمه الله عبر برنامجه الإذاعي «من القائل» والذي استمر سنوات عدة فقد كان لصوته الرخيم ولقراءته الصحيحة للشعر العربي أثر كبير على المتلقين والمستمعين لبرنامجه والذين كان المستمعون يتابعون حلقاته بشغف ويسجلونها للعودة لها، وقد كان لسلامة لغته أثر كبير في إقبال الناس على سماع ومتابعة برنامجه في زمن قلت فيه استقامة اللغة». تكريم الدرعية وأضاف «لقد كان لي شرف حضور تكريم أهالي الدرعية له رحمه الله كأديب وشاعر كبير فقد مثل جيله الحريص على كتب التراث والبحث والقراءة خير تمثيل، ولم اتفق يوماً من الأيام مع من وصف شعره وكأنه ينحت في صخر، وإنما هو في رأيي ورأي الكثيرين أنه كان يغرف من بحر جزل ويختار كلمات شعرية قوية تعمق لدى المتلقي معرفة اللغة وتصاريفها، فرحم الله الأستاذ والمعلم والأديب عبدالله بن خميس رحمة واسعة وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان». من جانبه، أكد رئيس أدبي القصيم الدكتور أحمد الطامي، أن وفاة الأديب عبدالله بن خميس تعتبر خسارة كبيرة للأدب والثقافة حيث ساهم الراحل بشكل كبير في دعم الحركة الثقافية والأدبية في المملكة وكان له دور بارز في خدمة اللغة العربية والأدب العربي، فقد كان مثالا يحتذى به في فكره وأدبه وعلمه، وقد كانت له إسهامات بارزة في دعم الأدباء والمثقفين والأخذ بأيديهم ودعمهم إضافة إلى نتاجه الأدبي الكبير والذي تزخر به المكتبات، وأضاف «نحن اليوم نفقد أحد أعلام الحركة الثقافية في المملكة ولكن عزاؤنا الوحيد هو فيما تركه لنا من مخزون ثقافي يظل شاهداً حياً لما قدمه هذا الرجل الأديب الإنسان والذي ندعو له بالرحمة والمغفرة ولأهله وذويه الصبر والسلوان». البرامج الإذاعية وأشار رئيس أدبي الجوف إبراهيم الحميد إلى أن المملكة فقدت علماً من أعلام الثقافة والأدب، وقال «كان الراحل رحمه الله مولعاً بالأدب العربي والتراث بالإضافة إلى أن برامجه الإذاعية كانت محل متابعة كبيرة، وكان له دور بارز في تأسيس صحيفة الجزيرة، فهذا الرجل قدم الكثير للحركة الأدبية والثقافية وترك لنا إرثاً كبيراً سنظل نحافظ عليه، ونسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته وأن يلهم أهله الصبر والسلوان، ونحن في منطقة الجوف نعزي الوطن في هذا المصاب الجلل». الشوارد مرجعا وأبان الناقد عزت خطاب أن الراحل باحث في الأدب الفصيح وفي الأدب الشعبي ويعتبر كتابه «الشوارد» مرجعا ضروريا لكل باحث عن الأبيات الشهيرة في الشعر العربي الفصيح ولا شك أن لمساهماته الأخرى دورا كبيرا في ريادة الحركة الأدبية والثقافية في المملكة لا سيما في المنطقة الوسطى.. فهو أول رئيس لنادي الرياض الأدبي ومؤسس جريدة الجزيرة وينبغي على الباحثين في الحركة الثقافية أن يعطوه ما يستحق من اهتمام في الدراسات الأكاديمية. من جانبه عبر الدكتور محمد خضر عريف عن حزنه لفقد ابن خميس، مضيفا «فقدنا أديبا كبيرا مؤسسا يمكن لنا اعتباره من أواخر جيل الرواد وبصماته في الأدب السعودي شعرا ونثرا لا يمكن لها أن تمحى إضافة الى إسهاماته الصحافية المتميزة على مدى عقود من الزمان ويمثل أدب عبدالله بن خميس جانبا مهما من جوانب الأدب السعودي الملتزم على مدى نحو 50 عاما، وكناقد دعونا مرارا وتكرارا إلى تكريم هؤلاء الرواد قبل وفاتهم وأحسب أن كل الجوائز التي نالها ابن خميس في حياته لا تفي بكل العطاء الذي قدمه لثقافتنا السعودية. رحيل الرموز أما الشاعر إبراهيم مفتاح، فقال «إنهم يرحلون وبرحيلهم يفقد الوطن أوائله ومؤسسي الفكر فيه ولا تكاد تمر أيام حتى نسمع برحيل أحدهم أو أحد هذه المنظومة الذين يأتي في أواخرهم بالنسبة للرحيل استاذنا عبدالله عبد الجبار الذي لم تجف مشاعرنا بفاجعة رحيله، وها نحن اليوم نسمع عن رحيل قامة أخرى من قامات الفكر في هذا الوطن وهو أستاذنا الشاعر الباحث عبدالله بن خميس الذي طالما قرأنا له شعرا وأبحاثا وشنف أسماعنا بصوته الجهوري ولغته الفصيحة منذ زمن المذياع امتدادا إلى عصر التلفزيون الذي أتاح لنا الفرصة لمشاهدته صوتا وصورة، ولا أبالغ إن قلت إننا نحن الجيل الثاني إن صح هذا الترتيب قد فتحنا أعيننا على عطاء هذه المجموعة من قامات هذا الوطن الذين يأتي في سياقاتهم فقيدنا الراحل عبدالله بن خميس والذي لا نملك إلا أن نرفع أكفنا إلى الله بأن يتغمده برحمته وفي نفس الوقت نعزي فيه الوطن من أقصاه إلى أقصاه». هزة كبيرة وعبر الشاعر إبراهيم الوافي عن حزنه الشديد لرحيل الأديب الكبير عبدالله بن خميس، وقال برحيل الأديب الكبير فقد الوسط الثقافي في المملكة أحد أعلامه ورموزه رحل الموسوعة والمعجم التاريخي والجغرافي والشاعر الكبير الذي أسمع بشعره كل المتذوقين للشعر الجميل والكلمة العذبة، وأضاف الوافي برحيله تعرض الوسط الثقافي لهزة كبيرة كيف لا والراحل هو عبدالله بن خميس نعم ابن خميس مات لكن أدبه وما خلفه من إبداع لن يموت، وتطرق الوافي للحديث عن موسوعة ابن خميس من القائل الذي أكد أنه يتمتع ويستفيد كلما اطلع عليها. مدير عام مؤسسة الجزيرة سابقا عبدالرحمن الراشد، قال: «الشيخ عبدالله بن خميس رحمه الله لا تحار في أي عنوان تبحث عنه وأنا أتحدث عن ملامح من حياة الشيخ عبدالله بن خميس حيث كابد وجاهد حتى وصل إلى ما وصل إليه من مكانة علمية مرموقة تجاوزت حدود بلده المملكة ولكن كيف كانت هذه النشأة، النشأة كانت في الدرعية مدرج طفولته وصباه والدرعية في ذلك الوقت كأي قرية أو مدينة من مدن وقرى نجد، حيث الإمكانات محدودة والناس مشغولة بهمومها ومعاشها والجهل يخيم كثيرا على مناطقنا ولا تجد في تلك الأماكن إلا الكتاتيب على ندرتها، ولا أعتقد بوجود مجتمع محرض على الفكر والثقافة والتحصيل والدراسة هذه هي البيئة التي نشأ بها عبدالله بن خميس رحمه الله ولكن الرجال وأصحاب القلوب الجسورة لا بد من أن يخرجوا من هذه الأماكن، كان والده رحمه الله يمتلك جزءا يسيرا من العلم والمعرفة فاحتضنه ودفع به إلى كتاتيب الدرعية ودرس بها مثلما يدرس في ذلك الوقت من تعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم ولكن همته كبيرة وطموحاته واسعة فما أن شب عن الطوق كما يقول المثل حتى بدأ يتقلب في شؤون حياته وتكوين نفسه، ظروف العيش ألجأته إلى أن يحمل البندقية وفي ذلك الوقت كانت الحاميات في جميع مناطق المملكة تستقطب الدولة لها بعض الرجال لمساعدتها في حماية الأمن، ثم عمل في جباية الزكاة يتنقل معه إلى أماكن الجزيرة العربية ومناهلها ومياهها، وقد قال ابن خميس: إنني استفدت في هذا الجانب، لأنه شاهد عن قرب الكثير من المعالم التاريخية والجغرافية والأودية والهضاب فكانت مشاهداته تأسيسا لما أصدره لاحقا من دراسات في هذا الجانب. يأتي التعليم المنهجي والشيخ ابن خميس كون مجموعة من العلوم والمعارف ولكنها تفتقد إلى المنهجية ثم جاء التعليم المنهجي في الطائف وفيها قصة كما سمعتها، عندما فتحت دار التوحيد أشار عليه صديقه فهد المالك الدراسة فيها وبعد إلحاح قبل الشيخ ابن خميس وذهب إلى الطائف وهو في السن ال25 ويفاجأ بصدمة عدم القبول لأنه لا يحمل الشهادة الابتدائية والشهادة الابتدائية شرط للالتحاق بدار التوحيد فاستعان بشفاعة الشيخ عبدالله الخليفي عند مدير دار التوحيد بهجت البيطار وبعد جهد جهيد وافق بهجت البيطار على التحاق ابن خميس لدار التوحيد على أن يجتاز امتحان الشهادة الابتدائية فكان ما كان، إن هذه اللمحات عن حياة الشيخ تعطي على أنه عصامي بنى نفسه وكون نفسه». يد طولى الدكتور عبدالرحمن الأنصاري قال: ابن خميس هو المؤرخ وهو الباحث وهو الذي أفاد من أبحاثه كثيرا من العلماء والباحثين ولا تجد وسيلة من الوسائل إلا وللشيخ عبدالله بن خميس رحمه الله يد طولى فيه لذلك نحس أن شخصية الشيخ ابن خميس شخصية فارعة الطول لها دور كبير في نشر الثقافة العربية السعودية بكل أبعادها وبكل ما يمكن أن تصبح عليه، ولذلك لا نجد باحثا إلا ويعود إلى الشيخ عبدالله في أعماله الكبيرة والتي لا نستطيع إحصاءها، وأضاف الأنصاري عندما أنشأنا جمعية التاريخ والآثار في جامعة الملك سعود كان الشيخ عبدالله بن خميس من الشخصيات التي دعمت هذه الجمعية وكان يأتينا ويلقي خطبا كثيرة، وكان مشجعا للآثار بطريقة رائعة ومتميزة، وكنا صغارا وكنا شبابا وكان يدعمنا هذا العلم الكبير في أبحاثنا وفي أعمالنا. الشيخ عبدالله بن خميس رحمه الله أيضا من الشخصيات التي كان لها دور كبير فيما عرف ب(طسم وجديس) وكان من الذين يدافعون عن (طسم وجديس) كانت في نجد، وأن طسم وجديس كان لها دور في تلك المنطقة وكنا نحن الشباب ننظر إلى (طسم وجديس) على أنها من الأساطير التي تروج قصصها في هذه المنطقة وهذه الصورة في تصوري كانت من الأساطير التي لا وجود لها فيما عرف بدولة كندة ودولة كندة عندما تذكر لا تذكر (طسم وجديس) مع أن الفترة التي يتحدث المؤرخون أو الأسطوريون كانت في تلك الفترة ولماذا إذن لم تذكر (طسم وجديس) مع وجود دولة (كندة) في هذا الوقت لكن الشيخ ابن خميس كان مصرا على وجودها وكنت أقول إن (طسم وجديس) كانت موجودة ولكنها لم تكن إلا عن طريق موجود في التوراة قبيلة توشيم، وقال عنها المؤرخ جواد علي إنها قد تكون طسم وهذه توشيم كانت موجودة في العلا وأنها انحدرت إلى نجد لتسيطر على الطريق التجاري بين وسط الجزيرة وجنوبها وشمالها، وقد تأكد ذلك عندما وجدنا في منطقة الفاو نصا يتحدث عن قبيلة اللحيان وأن قبيلة اللحيان التي كانت لها مملكة في منطقة العلا كانت موجودة في منطقة الفاو؛ لكن هناك علاقة قوية جدا بين منطقة العلا ومنطقة الفاو وفي جنوبالرياض، وبذلك كنت أتحدث عن هذه الناحية ولكن الشيخ عبدالله بن خميس رحمه الله كان مصرا على وجود (طسم وجديس) والشيخ عبدالله مجادل جيد وكنت أتذكر له صراعا مع الشيخ عبدالقدوس الأنصاري في منطقة (مرات) وهل هي بفتح التاء أو سكون التاء، ولكنني أفخر أنني كنت موجودا في زمن هذا الجدل العلمي السليم، ولذلك أشعر أن الشيخ ابن خميس رحمه الله كان شخصية مرموقة ولها دورها في الحركة الثقافية في المملكة وما هذه الأعمال الكبيرة التي هي جزء من أعماله الطيبة إلا نوع من أنواع الفخار الذي نفخر به. الأديب الشامل الكاتبة والإعلامية فاتن يتيم قالت: حين فجعنا بهذا الخبر علمنا بأننا فقدنا رمزا وطنيا سيظل معنا باقيا تخلده الأجيال، الشيخ الأديب ابن خميس الذي لا يعد أحد أهم رواد الصحافة السعودية فحسب بل الأديب والشاعر والباحث الرائد في اللغة والجغرافيا والتاريخ والسيرة. ابن خميس مؤسس النادي الأدبي بالرياض ومؤسس صحيفة الجزيرة، الذي بنى وشيد وكابد بعصاميته واجتهاده، وأثرى المكتبة العربية بعشرات الكتب في الأدب والشعر والنقد والتراث والرحلات. الرجل الإنسان الذي تربينا على منجزاته وإصداراته وقصائده، فأضحت صرحا وعنوانا وأنموذجا للإخلاص والتفاني والعطاء. لا نملك إلا أن ندعو له بالرحمة والغفران وفسيح الجنان، ولأهله وذويه نتقدم بالدعوات بأن يثبتهم الله ويربط على قلوبهم بالصبر والسلوان. القاصة نادية الفواز أكدت أن رحيل ابن خميس خسارة ليس على المستوى المحلي بل على المستوى العربي كافه لأننا بفقده فقدنا موسوعة في مختلف العلوم والفنون فإذا تحدثنا عن شعره فنحن نتحدث عن قامة شعرية كبرى سواء في الشعر الفصيح أو الشعر النبطي وهو المعلم للأجيال والمورخ الكبير والموسوعة الثقافية رحم الله الفقيد بواسع رحمته.