شيّع المئات عصر أمس (الخميس) من جامع الإمام تركي بن عبدالله بمنطقة قصر الحكم جنازة الأديب الراحل الشيخ عبدالله بن خميس الذي وافته المنية أول من أمس عن عمر يناهز ال 92 عاماً، وتقدم المصلين رئيس مجلس إدارة المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق الأمير فيصل بن سلمان بن عبدالعزيزومحافظ الدرعية الأمير أحمد بن عبدالله بن عبدالرحمن، والسفير الفلسطيني لدى المملكة جمال الشوبكي، وعدد كبير من المسؤولين والإعلاميين والأدباء والمثقفين، وأمّ المصلين مفتي المملكة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، ثمّ ووري جثمان الفقيد الثرى في مقبرة العود وسط العاصمة الرياض. ويعد ابن خميس أحد أهم الرموز الأدبية الأصيلة في الجزيرة العربية في القرن الماضي، وهو أديب وباحث ومؤرخ ووواحد من جغرافيّ الجزيرة الأفذاذ، إضافة إلى كونه شاعراً مبرزاً سواء في العاميّة أم في الفصيح، ويعد من المهتمين القلائل بالجمع بينهما، ولا يزال برنامجه الإذاعي الشهير «من القائل» الذي أنجز منه مئات الحلقات إضافة إلى طباعته في أجزاء، أحد أهم المراجع في تدوين وتوثيق الشعر الشعبي. والراحل ابن خميس أحد رواد الصحافة السعودية الكبار في المنطقة الوسطى جنباً إلى جنب مع الشيخ حمد الجاسر - رحمه الله بتأسيسه مجلة «الجزيرة» التي تحوّلت لاحقاً إلى صحيفة، كما يعد أول رئيس نادٍ أدبي في المملكة بترؤسه النادي الأدبي بالرياض عام 1975. وكان من الأدباء الذين كرسوا جهادهم في خدمة قضايا أمتهم العربية والإسلامية، وخلّف تراثاً أدبياً كبيراً يضم عشرات الكتب في الأدب والنقد والتراث والتاريخ والجغرافيا وفي أدب الرحلات، إضافة إلى دواوينه الشعرية. هنا شهادات لأدباء ومثقفين عنه: صاحب موسوعية علمية وتراث واسع لم أكن ممن عرف الشيخ ابن خميس في صغري، ولكنني عرفته عن قرب من خلال العمل في مجال الإعلام ومنه اشتراكنا في عضوية المجلس الأعلى للإعلام وفي مجلس إدارة مؤسسة الجزيرة الصحافية، ثم استمرت العلاقة الوثيقة على مستوى الصداقة الشخصية. ولا يمكن الإجلال للموسوعية العلمية التي يمتاز بها وتراثه الفكري الواسع فحسب، كونه جغرافياً مؤرخاً أديباً ناقداً شغوفاً بالتراث، ولكن الرجل يحمل من صفات النبل ما يتجلى في تعامله وعلاقاته الشخصية، وإن من يطلّع على إنتاجه الفكري وعلى جهاد قلمه لا يملك إلا أن يحترم شجاعته المنضبطة وقلمه الجريء الملتزم ووطنيته الأصلية. بارك الله في عقبه ووفقهم للوفاء والبر به وحفظ تراثه، وأتطلع باسم المثقفين إلى أن يسعوا لإنشاء مركز ثقافي يحمل اسمه ويجدد موروثه وينشر مخطوطاته التي لم تظهر بعد. عبدالرحمن الشبيلي أخذ من كل علم بطرف إننا بلا شك فقدنا أحد الرواد في الأدب والشعر والصحافة والتاريخ والجغرافيا. كان رحمه الله من أعلام كل هذه الأطياف، وهو من الأعلام المبرزين الذين أسسوا الصحافة في منطقة نجد مع الشيخ حمد الجاسر رحمه الله، من خلال تأسيسه مجلة «الجزيرة» التي تحولت في ما بعد إلى صحيفة يومية، وكان أحد الأدباء الكبار، وعضواً في المجامع اللغوية، وله إسهامات لافتة في التاريخ المحلي وفي جغرافية الوطن من خلال كتابه «المجاز بين نجد والحجاز»، وترك خلفه مآثر أدبية قيّمة ومؤلفات عدة، وهو استحق تكريم الدولة له بجائزتها التقديرية، فهو من الجيل الرائد الذي يأخذ من كل علم بطرف، ولا يمكن أن نغفل عن توليه عدداً من الوظائف في مؤسسات الدولة التي خدم فيها بكل أخلاص وتفانٍ. فقدنا برحيله قامة سعودية مميّزة من الرعيل الأول، عاش طويلاً وترك إرثاً أدبياً أثرى المشهد الثقافي من دون توقف. إدريس الدريس رجل على حواف اليمامة عبدالله بن خميس (1919-2011) أوراق رجال النهضة في الثقافة السعودية في القرن العشرين تتساقط، وها هي ورقة ثقيلة سقطت بوفاة عبدالله بن خميس، وإن كان سبقه قبل أسبوع المفكر والناقد عبدالله عبدالجبار (1919-2011) وهو أحد مثقفي الجيل التالي لطلائع الحداثة. لا غرو أن يعد ابن خميس أحد آباء الصحافة في المنطقة الوسطى، إذ أسس مجلة «الجزيرة» عام 1959 (صارت صحيفة 1964)، وهو بهذا يجايل حمد الجاسر الذي سبقه حين أسس «اليمامة» عام 1952 (صارت صحيفة الرياض). إذ كان هم هذا الرجل الموسوعي الشؤون العامة للبلاد، من اقتصادية وتاريخية واجتماعية؛ ويذكر له التاريخ أنه ألقى قصيدة في الخمسينات أمام الملك فهد بن عبدالعزيز (1920-2005) - رحمه الله - عندما كان وزير المعارف (1953-1962) يدعو إلى إتاحة التعليم للفتاة السعودية: «إنه الجهل إذا ما حلّ في عقر دار كان موتاً أقربا/ يا نصير العلم هل من شرعة تمنع التعليم عن ذات الخبا/ إنها في ذاتها مدرسة إن خبيثاً أنجبت أو طيبا/ فمعاذ الله أن تبقى بنا دمية للهو فينا تجتبى. وهي منشورة في ديوانه «على ربى اليمامة» (1977). واعتنى بتاريخ اليمامة، إذ وضع أكثر من معجم، على رغم أن عنايته تركزت على جغرافية شبه الجزيرة العربية، غير أن عينه كانت على أوديتها وجبالها ورمالها. كذلك اعتنى بالموروث الشعبي في شعرها النبطي فوضع مؤلفاً مهماً «في الأدب الشعبي». وفي شعر العرضة «أهازيج الحرب» (1989) كأحد فنون الشعر النبطي، وكتاباً كاملاً عن الشاعر الذائع الصيت «راشد الخلاوي» (1972). ذهب ابن خميس، ونحن ننتظر مذكراته أو سيرته الذاتية. فهل تظهر لتختم رحلة هذا الموسوعي النجدي؟ أتمنى ذلك. أحمد الواصل كان عبقرية مقالية شرفتُ بدراسة أدب الشيخ عبدالله بن خميس رحمه الله شعره ونثره، ففي النثر كان عبقرية مقالية فذة تؤرخ لصحافتنا ولحياتنا الأدبية والاجتماعية وتستشرف مستقبل أجيالنا، وفي الشعر لوحات تؤرخ لتاريخ الأدب السعودي، وبين عجز البيت وصدره قصة أدبية أو واقع بحثي كان قائماً أو معركة أدبية تواترت الأخبار عنها في زمننا، إلا أن حقيقتها شذرات بثها رحمه الله في ثنايا قصائده. مناسبات وطننا أُرِّخت من خلال شعره رحمه الله، وإضاءات حكامنا التي أوقدت في أرجاء الوطن كانت حاضرة في شعره. أخبار وفودنا الأدبية ومرايا صحافتنا المكتوبة جميع ذلك في أوعية ثرَّة بعبقريته الشعرية، إنه صانع ماهر لقوافي الشعر وقوالب النثر. هيا السمهري