من رأى مصيبة غيره هانت عليه مصيبته، سبب مقنع يحتم علينا الالتقاء بشكل شبه يومي في المقاهي، للتزود بالصبر من قصص وأحوال الآخرين لنستمد من ذلك أسباب البقاء، ومواصلة العمل على قوت عيالنا. ويحرص المتقاعدون على ملتقياتهم الشعبية بحثا عن أسباب الكفاح، التي يلتقطونها من معاناة غيرهم على طاولات المقاهي. مع براد شاي أبو أربعة وحجر شيشة باعشن تكتمل الطقوس لسرد الحكايات والقصص، ذلك المتوحد مع «لي» الشيشة لم يرغب بذكر اسمه قال: قبل التقاعد كنت أتقاضى 3700 ريال حالت دون ارتباطي بمن أحببت، واليوم براتب تقاعدي لا يتجاوز ال1400ريال لم ولن أتزوج بهكذا راتب بعدما تضاعفت التزامات الحياة اليومية ومصاريفها. تفاديا لارتفاع أسعار إيجار المنازل، ترك المتقاعد أبو سعد أسرته في ضواحي مدينة الطائف، واضطر للعمل كسائق حافلة في جدة، جامعا ما يكسبه على راتبه التقاعدي البالغ 1800 ريال، وبالكاد يوفر لأسرته متطلبات الحياة الكريمة، لكنه يشكو من بعده الدائم عنهم، ويتمنى لو أن الظروف تساعده للبقاء معهم، وهو يرى أبناءه يكبرون من حوله. مؤكدا أن تواجده اليومي في المقهى ما هو إلا هروب من واقعه الأليم. وقال بدر المطيري: راتبي التقاعدي لا يتجاوز 1700 ريال، وأعول 9 أطفال لازالوا جميعا في المراحل الدراسية المختلفة، وأدفع 1000 ريال إيجارا شهريا لمنزلي، وأقاتل حتى أفي بالتزامات أسرتي وصولا لآخر الشهر. وما بين مرض السكري الذي يفتك بوالدته المسنة، والتزامات أسرته المكونة من 5 أبناء ووالدتهم، يقول نافع العتيبي إن راتبه التقاعدي البالغ 1500 ريال لا يفي بالتزاماته الشهرية تجاه أبنائه، فضلا على توفير الدواء لوالدته. هناك في مقهى المتقاعدين لمالكه المتقاعد ماشع المطيري، تشم رائحة معاناة المتقاعدين قبل أن تستنشق روائح شيشهم، ما بين «الليات» الممدودة طولا وعرضا تتعثر بقصص كفاحهم اليومية لتوفير قوت أسرهم، وعلى قرع فناجين الشاي الأسود تعلو قهقهاتهم ضحكا على ما تجيء به الحياة.