تجدهم أينما ذهبت، يعيشون حياة مختلفة عما ألفوها في وظائفهم السابقة، منهم من تمرد على وضعه الحالي وبدأ يطرق باب رزق آخر، أيا كان نوعه، وظيفة مؤقتة أو موسمية علها تساعد في التغلب على أعباء تكاليف المعيشة المتصاعد، فيما شرع البعض الآخر في البحث عن وظيفة يشغل من خلالها الكم الهائل من الفراغ الذي وجد نفسه مكبلا داخل محيطه مرغما وليس مختارا، فيما فضلت مجموعة ثالثة الراحة والسكينة والتفرغ للأسرة والاهتمام بمشاكل الأبناء والأحفاد.. إنهم فئة المتقاعدين، سواء من الوظائف العسكرية أو المدنية، فدعونا نستعرض حياتهم الجديدة. طاقات معطلة لم يركن سعيدان البقمي، للراحة معتمدا على راتب التقاعد، بل استغل وقته وطاقته في تحسين وضعه الماضي، من خلال قيادة سيارة أجرة تدر عليه مبالغ مادية تعينه في سد بعض احتياجات أسرته. واعتبر البقمي بعض المتقاعدين بالطاقات المعطلة التي لم تستغل حياتها الجديدة وما تبقى لها من عمر، وقال: على المتقاعد أن يحرص على استغلال وقته والبحث عن عمل خبر في نفسه طاقة متجددة، وأضاف: البعض يحبذ الجلوس في البيت إما لعارض صحي أو خلافه، مستشهدا بصديق له متقاعد لا يخرج من البيت سوى لأعمال خاصة أو مناسبات، ويقضي بقية الوقت في متابعة التلفاز متنقلا بين القنوات الفضائية. الركض خلف المعاش كنت أعتقد أنني سوف ارتاح بعد مشوار العمر الطويل الذي قضيته موظفا في وزارة الدفاع والطيران، لكن الذي حدث معي أنني شعرت أن عمري أوشك على النهاية، هكذا انسكبت الكلمات من فم المتقاعد محمد صالح الحربي 65 عاما. وأضاف: منذ 10 أعوام أحلت للتقاعد بعد خدمة 16 عاما قضيتها في العمل، ووجدت نفسي اتقاضى راتبا ضعيفا جدا، ومنذ التقاعد وأنا أراجع مؤسسة التقاعد لمعرفة أسباب تقليص راتبي. وزاد «أقضي جل وقتي مع أفراد أسرتي من أبناء وأحفاد، فلم يبق من العمر شيئا» وخلص إلى القول: كم هي لحظ جميلة أن تجلس مع أبنائك للاستماع لهم وحل مشاكلهم. التنقل بين المقاهي جمعان الأسمري 60 عاما، وصف بداية تقاعده بالفرح بعد مشوار امتد لسنوات طويلة من العمل والروتين اليومي، وبعد مرور ستة أشهر حس بالملل، يقول: بدأت أبحث عن أمور أشغل به الفراغ الكبير الذي أعيشه، ولم أجد أمامي سوى «الشيشة» هكذا وصف حياته بعد التقاعد. وأضاف: قادني زميل سابق في الوظيفة إلى إدمان الشيشة، حتى أصبحت عادة لا تفارقني وأتنقل من أجلها بين المقاهي. وزاد «حتى هذه العادة مللت منها وأفكر تركها والبحث عن أمور مفيدة». البحث عن منزل لم أكن راضيا عن تقاعدي بهذه الطريقة ولم يمض على تقاعدي سوى أيام معدودة، هكذا بدأ سليمان سعود حريصي حديثه، وأضاف: صحيح أن الإنسان بحاجة إلى راحة في حياته بعد رحلة عمل تمتد لأكثر من 30 عاما، يصل خلالها إلى مرحلة عمرية يشعر فيها بأنه في حاجة للراحة والتفرغ لحياة ما بعد الوظيفة بعيدا عن الروتين اليومي الممل. وزاد «انتظرت فترة التقاعد للشروع في بناء منزل خاص يضمني وأسرتي، وهو ما أحرص على تنفيذه في الوقت الحالي، خصوصا أن الإيجارات المرتفعة أنهكت ميزانيتي بشكل مباشر، فضلا عن غلاء المعيشة الذي يتصاعد بشكل مخيف». مطاردة الركاب مبشر الغامدي 50 عاما، منذ أن ترك وظيفته وهو يركض مع مجموعة كبيرة من سائقي سيارات الأجرة في محطة النقل الجماعي في سوق البلد، لتأمين لقمة العيش، خلف زبائنه أو من اعتقد أنهم كذلك، يميزه نداؤه المتواصل: «راكب واحد.. راكب واحد!!» كل ما مر بجانبه عابر سبيل. يقول: بعد التقاعد وقعت تحت ضغوطات أعباء الحياة وخاصة فيما يتعلق بمصروفات الأسرة المتزايدة والراتب التقاعدي لا يكفي، خصوصا أنني أسكن بالإيجار، والحاجة الفعلية دفعت بي إلى نقل الركاب، ولا أخفيك أن فرحتي بالتقاعد كوني أريد أن ارتاح من روتين الوظيفة اليومي. وقال: لم استفد من نقل الركاب سوى التعب وإصابة في الظهر. تربية المواشي استغل مسعد الأسمري 58 عاما، التقاعد في ممارسة هوايته القديمة في تربية المواشي، حيث يقضي جل وقته في رعايتها. وبين أنه يهوى تربية الأغنام منذ نشأته ولكن رحلة البحث عن لقمة العيش أنسته عشقه القديم، قال: أفنيت من عمري 30 عاما في الوظيفة التي كانت تعيقني عن هذه الهواية وبمجرد إحالتي للتقاعد، بادرت بشراء بعض القطعان التي أقوم على رعايتها والعناية بها وتدر على بعض الأموال باعتبارها تجارة مباركة، علاوة عن أنها تشغل وقتي خصوصا أنني لا أحب الركون والجلوس دون عمل. غلاء معيشة أقضي وقتي في قيادة سيارة أجرة خاصة، فهي من جهة تدر على المال اليسير، ومن جهة أخرى تخفف عني أعباء المعيشة المتزايدة، وأعاني كغيري من المتقاعدين من قيمة الإيجارات المتصاعدة، هكذا عبر عبد الرحمن الرشيدي (متقاعد منذ أربعة أعوام) عن وضعه الحالي وما آل إليه بعد التقاعد. وأضاف: كثير من المتقاعدين لا يملكون سكنا خاصا والإيجارات تستقطع جزءا كبيرا من رواتب التقاعد الذي لا يفي أصلا بمتطلبات الحياة. وقال: غلاء المعيشة بات في الوقت الراهن يلتهم ما أخصصه من راتبي التقاعدي لتوفير بعض المستلزمات، ومع هذا أعتقد أن الحياة لا تنتهي بالتقاعد، ولا بد أن يواصل المرء مشوار الكد والبحث عن الرزق الحلال حتى آخر نفس. مواصلة المشوار ولا تختلف قصة فيصل محمد (55 عاما) عن غيرها من قصص وكفاح المتقاعدين في طرق أبواب العمل بعد التقاعد. ووصف مشوار حياته بالقول: كنت أعمل في وظيفة مرموقة تتطلب جهدا كبيرا وساعات عمل أطول، وبعد تقاعدي اصطدمت بعجلة الحياة التي تسير بوتيرة سريعة ومتطلبات حياتية متصاعدة. وأضاف: الوضع الجديد دفعني للبحث عن عمل بمجرد إحالتي للتقاعد وكانت وجهتي إحدى شركات الطيران التي توفر لي وظيفة تتناسب مع مؤهلاتي وخبرتي الممتدة لأعوام طويلة من خلال عملي في «الخطوط السعودية».