يجد المرضى النفسيون في كثير من الأحيان أنفسهم يعانون من الوحدة والتهميش من قبل أسرهم، ما يضاعف من معاناتهم، كما أن هروب الأسر من استلام مرضاهم يسطر وقائع مؤلمة في حياة المعتلين نفسيا، وفي نفس الوقت فإن العيب الاجتماعي يجعل المرأة المريضة نفسيا لا تصرح بحقيقة ما تعاني منه. وبين غياب النظافة والإهمال من قبل أسرهم، تكشف «عكاظ» حقائق عن المرضى النفسيين وكيفية صياغة واقع يعيد الأمل لهم. في مستشفى الصحة النفسية في جازان، تسطع إبداعات المرضى النفسيين، وتسيل أنهار من العطاء الذي لا يمتلك معه الإنسان سوى أن يهتف إعجابا لهم، وتظهر مواهب المرضى في كتابة الشعر والرسم في المناسبات إلى جانب لوحاتهم التي تزين ردهات المصحات النفسية، غير أن هذه الإبداعات يقابلها ازدحام في المستشفيات المستأجرة لعلاج هذه الفئة، وسط مطالب من المواطنين بتسريع الانتهاء من مشروع مبنى مستشفى الصحة النفسية على طريق جازان صبيا. وفي هذا السياق، اشتكى عدد من مراجعي مستشفى الصحة النفسية في منطقة جازان من سوء الخدمات، حيث يعاني المراجع للمستشفى من تفاوت أقسام المستشفى الذي ينقسم إلى عدة مبان مستأجرة متهالكة تغيب عنها النظافة، بالإضافة إلى تعطل بعض أجهزة المختبر والأشعة. أجهزة قديمة وأضافوا أن معظم تلك الأجهزة صدئة، كما أنه على أسرة المريض الانتظار مدة طويلة إلى حين الانتهاء من التحاليل، كما أن إجراءات عمليات الكشف عن المرضى تجرى في الممرات وسط ارتفاع صيحات بعض المرضى من الرجال والنساء وغياب بعض الكوادر الطبية عن غرف الكشف. كما أن غياب النظافة هو الأمر السائد في ذلك المستشفى، حيث تنبعث الروائح الكريهة من العنابر؛ سواء الخاصة بالنساء أو الرجال واشتباك بعض المرض بالأيادي مع بعضهم دون وجود تدخل من إدارة المستشفى. ساءت حالته وقال المواطن يحيى أحمد إنه يراجع المستشفى مع شقيقه منذ نحو عام؛ جراء إصابته بالاكتئاب، وعند عرضه على الطبيب صرف له دواء لكن حالته ساءت بعدها، حيث أصيب بانتفاخ في جسمه واضطرابات نفسية. من جانبه، قال المواطن أحمد محمد إنه عند زيارته قريبه في المستشفى تفاجأ بغياب النظافة في العنابر، ما جعله يعمد إلى إخراج قريبه من المستشفى. وفي السياق نفسه، أكد المواطن علي إبراهيم أن المنومين من المرضى النفسيين يعانون من سوء التغذية؛ ناهيك عن الوضع السيئ في القسم النسائي. طبيعة المرضى وكشف المتحدث الرسمي في صحة جازان جبريل القبي أن إدارة المستشفى تتابع بشكل يومي ومتكرر نظافة المستشفى، مع العلم أن طبيعة المرضى العقليين تجعلهم مقصرين في نظافتهم الشخصية. وفي ما يتعلق بنظافة المكان وغرف العزل، قال المتحدث الرسمي لصحة جازان «إن المنومين بهذه الغرف يكونون في حالات هياج شديد وعدوانية، وهذا الأمر يصعب من نظافة الغرف على الوجه الأكمل. أما من ناحية الأجهزة الطبية فهي موجودة في قسمي المختبر والأشعة بشكل رئيس، وهي تعمل بصورة سليمة، ولا يوجد عطل، أما عن فقدان الملفات الخاصة بالمرضى فيكون حدوثه نادرا». رحلات ترفيهية من جانبه، أشار حسين معشي -الناطق الإعلامي في صحة جازان- إلى أن هناك عددا كبيرا من المرضى تمتنع أسرهم عن زياراتهم في المستشفى حتى في المناسبات مثل الأعياد مما يشكل معاناة لهم، لكن الشؤون الصحية تنظم لهم رحلات بحرية مستمرة كما يزور المرضى الأماكن التي يجدون فيها الراحة وذلك لتخفيف معاناتهم، وأشار معشي إلى أنه يجب أن يكون هناك تعاون بين أسرة المريض والمستشفى لأن هذا التعاون نوع من العلاج للمرضى. ألم صامت وإذا نظرنا إلى واقع المرضى النفسيين، نجد أن نسبة النساء طالبات العلاج النفسي تقل عن الرجال، ويأتي السبب الرئيس في ذلك هو العيب الاجتماعي والخشية من تأثير انكشاف معاناة المرأة من المرض النفسي على زواجها وأن يكون عامل صد لزوج المستقبل. وتؤكد ذلك السجلات الرسمية للمستشفيات النفسية التي تشير إلى أن نسبة الرجال الذين يعانون من أمراض نفسية ويأتون للعلاج أكثر من النساء، فيما يرى البعض بأن الحل الأمثل لتجاوز هذه المشكلة هو زيادة حرص مستشفيات الصحة النفسية؛ سواء العامة أو الخاصة على سرية معلومات مرضاها، وأن لا يكون هناك أي تسريب لأية معلومة تتعلق بحالة المريضة أو المريض. جانب السرية وفي هذا الجانب، يؤكد الدكتور محمد الزهراني -مدير مجمع الأمل للصحة النفسية في الدمام- أهمية مراعاة جانب السرية عند التعامل مع المريض النفسي؛ سواء في ما يتعلق بهويته أو بما يقوله أثناء فترات العلاج، مشيرا إلى أن المستشفيات الحكومية لديها إجراءات صارمة ومشددة في هذا الجانب. هروب الأسر وحول المريض النفسي الذي لا تريد أسرته استلامه بعد علاجه، وما الإجراءات الرسمية التي تتخذ من قبل المستشفيات الحكومية في مثل هذه الحالات، قال الدكتور الزهراني: للأسف هناك بعض الأسر التي بالفعل ترفض استقبال أبنائها المرضى بأمراض نفسية لأسباب متعددة؛ منها كما يقولون بأنهم يخشون على أنفسهم من ابنهم المريض أو يخشون أن يلحق بنفسه أذى، ونحن نقوم عبر الجهات المعنية بإلزام تلك الأسر باستلام أبنائها في حال وجود قرار طبي من المستشفى بأنه لا يمثل أي خطر على نفسه أو أسرته وأنه استجاب للعلاج. وبما يتعلق بالمرضى النفسيين الذين يهيمون في الطرقات، ولماذا لا يتم التنسيق مع الجهات الأخرى لعلاجهم أو إيوائهم، أوضح الدكتور الزهراني بقوله أريد أن أبين شيئا مهما جدا، وهو أن هناك مرضى نفسيين ونحن مسؤولون عن علاجهم، وهناك مرضى لديهم تخلف عقلي وهم ليسوا تحت مسؤوليتنا العلاجية وإنما هناك جهات أخرى تتولى أمرهم. وحول أبرز البرامج العلاجية التي تقدمها مستشفيات الصحة النفسية للمرضى، أكد الدكتور الزهراني بأن هناك العديد من البرامج المتعددة؛ منها ما يتعلق بالعلاج الطبي ومنها ما يتعلق ببرامج التأهيل للمرضى كل حسب حالته. وبما يخص افتتاح مستشفيات متخصصة في عدد من محافظات ومدن المنطقة الشرقية، أكد الدكتور الزهراني بأن الوضع حاليا وخلال الفترة المقبلة لا يحتاج إلى ذلك. العلاج بالقرآن الكريم وأضاف: رغم انتظام كثير من المرضى النفسيين في علاجهم الطبي في المستشفيات إلا أن هناك إصرارا كبيرا من قبل الكثير منهم للعلاج بالقرآن الكريم من خلال الرقية الشرعية، حيث يعمد الكثير منهم بمساعدة الأقارب إلى البحث عن الرقاة الشرعيين للبحث عن حلول أخرى لمعاناتهم فهم يرون بأن المزاوجة بين العلاج الطبي في المسشتفيات والعلاج بالقرآن الكريم يأتي بفوائد كثيرة، خاصة أن قناعة الكثير منهم بأن بعض الأمراض التي تصيب الإنسان، خاصة ما يتعلق منها بالعين والمس والوسوسة، يكون علاجها بالقرآن أفضل بكثير من العلاج الطبي التقليدي، وهنا تسجل النساء نسبة حضور كبيرة كما يؤكد ذلك أحد الرقاة الشرعيين في مدينة الخبر الذي يقول بأن النساء يمثلن الغالبية العظمى من بين طالبي العلاج بالقرآن الكريم ثم الأطفال، وبعد ذلك بمراحل كبيرة الرجال الذين يعتبرون نسبة ضئيلة مقارنة بأعداد النساء والأطفال الباحثين عن العلاج بالقرآن الكريم.