أعتقد أن كتاب طقوس الروائيين بجزءيه الأول والثاني، الذي أصدره الكاتب السعودي عبد الله ناصر الداوود، من أهم الكتب الصادرة حديثا، فقد اجتهد الكاتب في جمع مادته الغنية بصبر، أشبه بصبر البحاثين، وعلى مدى أشهر، حتى استطاع في النهاية أن يمنحنا شيئين: أولا متعة القراءة لكتاب مختلف عن بقية الكتب المتراصة في مكتباتنا، أو أذهاننا، وثانيا لمحات لعالم إبداعي نعرف صناعه جيدا من خلال قراءتهم كتبا، ولا نعرف كيف يصنع ذلك العالم، فأنت حين تقرأ رواية مثل «مئة عام من العزلة» تصيبك الدهشة، من وجودها أمامك كاملة وناضجة، ولا تستطيع أن تتخيل كم بقيت على نار الكتابة حتى تنضج وتدهش، وماذا كان يرافق كتابتها من فوضى أو نزق أو احترام. نهتم بالعمل الإبداعي حقيقة، ولا ننظر إلى ما ورائه. وتأتي فكرة عبد الله ناصر، في اعتقادي نوعا من التواصل غير المباشر مع الكاتب، حين يمنحك طقوسه أثناء الكتابة. القارئ للكتابين، لا يجد صعوبة في الدخول إلى كل طقس والخروج منه، وقد كتبت كل الطقوس بطريقة سلسة وسهلة، وفي الغالب هي لغة الإبداع نفسها التي يستخدمها الكاتب في نصوصه، وقد كان لكل كاتب من الذين شاركوا، طقوسه الخاصة التي ربما تتفق مع كاتب آخر، وربما تختلف معه، لكنها في النهاية كلها، شهادات جديرة بالتأمل، وعمل توثيقي لا يجب أن يعبر مثل أي عمل آخر، وإنما يراجع باستمرار. الذين شاركوا سواء كانوا من العالم العربي أو العالم البعيد اتفقوا تقريبا في أن لهم طقوسا أثناء الكتابة، فقط اختلفوا في مسألة الاحتراف الكتابي المفقودة بالطبع في عالمنا العربي، فمعظم كتابنا ليسوا متفرغين، ولا يمكن أن يتفرغوا في الوقت الحاضر، لذلك تجد الكاتب العربي سارقا حقيقيا للوقت، يسرقه من ساعات عمله الرسمي الذي يعتاش منه، ويسرقه من هدوء عائلته وواجبات أبنائه، ويظل هكذا حتى يحترق في النهاية. بينما الكاتب الأوروبي يعرف تماما حاضره الذي يكتب فيه، ويستطيع أن يتكهن بلا عناء، بمستقبله ومستقبل عائلته كلها. كتاب يحبون الكتابة في الليل، آخرون مثلي، يخاصمون ليل الكتابة ويحبون ساعات النهار. كتاب تستهويهم الخلفيات النوسيقية ويجدون فيها إيحاءات شتى، آخرون تجرح الموسيقى آفكارهم، تشردها، البعض يكتب في المقاهي والطرقات المزدحمة، والفنادق الضاجة بالنزلء والتدخين، البعض الآخر يكتب في بيته، في غرفة مغلقة. ثمة من يكتب عنوانا قبل النص ومن يكتب نصا، لا يعثر له على عنوان إلا بعد جهد، وهكذا تتداعى تلك الطقوس المتباينة، لدى كل واحد، لتصب في النهاية في أعمال إبداعية، نقرؤها ونشيد أو لا نشيد بها.. أحيي الرجل المجتهد عبد الله ناصر على هذا الكتاب المتميز الذي يمنح متعة القراءة والاكتشاف معا. كنا بحاجة لكتاب يكسر روتين القراءة في كشف جديد رائع. للتواصل أرسل رسالة نصية SMS إلى الرقم 88548 الاتصالات أو 626250 موبايلي أو 727701 زين تبدأ بالرمز 104 مسافة ثم الرسالة