في السطور التالية، أنشر جزءا صغيرا من شهادتي التي قدمتها في ملتقى الرواية العربية الذي عقد مؤخرا في القاهرة، وكان عنوانها: مشكلة كتابة، أم مشكلة تلق ونشر؟ «حتى عهد قريب، كانت مسألة كتابة رواية، ونشرها، والعثور لها بعد ذلك على قارئ نشط يحاورها بصبر، ويغوص فيها كما فعل الكاتب، أمرا في غاية الصعوبة، لم يكن ثمة كتاب رواية كثيرون، ولا وسائل نشر، إلا تلك المطابع الورقية مطموسة الحبر، وعدد محدود من دور النشر في وطننا العربي، يحتفي بأسماء معروفة، ولامعة، ولا يود أن يضيف إليها كاتبا جديدا مهما كانت موهبته. وكان على الذي ابتلي بمرض الكتابة، أن يحمل نصه المكتوب بخط اليد، يدور به من جهة رافضة إلى جهة رافضة، وغالبا ما ينتهي به الأمر، إلى نسيانه تماما، أو نسخه في إحدى المكتبات، وتوزيعه على عدد محدود من الأصدقاء، ربما هم الذين شجعوه أصلا على الكتابة. وإن صادف أن عثر الكاتب على دار نشر ترعى نصه، أو جهة داعمة تمول أمر نشره، فذلك حدث كبير بلا شك، يستوجب الاحتفاء. على صعيد آخر، كانت الصفحات والملاحق الثقافية في الصحف، على قلتها، تحتفي بكل ما يكتب، وأحيانا تنشر أخبارا عن أعمال روائية تصدر قريبا، بينما تكون تلك الأعمال ما تزال مجرد ثرثرة على ألسنة كتابها، أو مخطوطات لم تجد طريقها إلى النشر بعد. وأذكر حين بدأت كتابة روايتي الأولى المسماة(كرمكول)، وكنت طالبا في كلية الطب، هنا في مصر، أكتب الشعر، وأجلس للثرثرة في المقاهي كما يفعل الكتاب، وتحدثت بالطبع عنها، وأنها ستكون روايتي الأولى، أن نشرت إحدى الصحف خبر صدورها عن الهيئة العامة للكتاب، بخطوط عريضة على خلفية سوداء، وحين انتهيت منها بعد أشهر من ذلك، ظللت أحملها كما أحمل كنزا، أقرأ مقاطع منها لكل من أعرفه، وأعرضها على الناشرين واحدا بعد الآخر، من دون أن يكلف أحد حتى مد يده، وقراءة صفحة منها ليقرر إن كانت تصلح للنشر، أم لا؟ وكنت محطوظا بشدة، كما أعتقد، لأن أحد الإخوة المثقفين، نظر فجأة بتمعن إلى معصمي الأيسر، وطلب مني أن أريه ساعتي، وكانت من ماركة رولكس الغالية، هدية وصلتني ولا أعرف قيمتها، ثم ليصطحبني ذلك المثقف إلى أحد أماكن الرهن، حيث بقيت تلك الساعة حبيسة هناك، إلى أن استرددت قيمة رهنها من جراء بيع كتابي، وكنت أحمل نسخه في حقيبة على كتفي، أتسلق به القطارات، وباصات النقل العام، وأطوف به أقاليم مصر كلها، أوزعه للطلاب. وكان ما كتب عنه في الصحف، بعد ذلك، قد أسعدني، وكاد ينسيني تلك التجربة المريرة، والتي أتذكرها الآن وأستغرب من كوني خضتها، ولو عدت الآن إلى ذلك الزمان، لما فعلت ذلك أبدا، ولما كتبت حرفا إضافيا، لتلك الرواية التي غير نشرها مسار حياتي». للتواصل أرسل رسالة نصية SMS إلى الرقم 88548 الاتصالات أو 626250 موبايلي أو 727701 زين تبدأ بالرمز 104 مسافة ثم الرسالة