في كتابه (ألوان أخرى) الذي صدر حديثا بترجمة عربية عن دار الشروق، تحدث الكاتب التركي أورهان باموق عن أفكار كثيرة تحيط بعالم الكتابة، قد لا يعرفها أحد ممن يقرأون الكتب ويحتفظون بها بلا نية في الرجوع إليها مرة أخرى .. وفي فقرة عن هوية الكتابة، وما يمكن أن يمثله الكاتب لأمته، قال بما معناه: إن كل كتابة ناجحة ينبغي أن تعي مصادرها، أي ترتبط بهويتها الحقيقية، وما يمكن أن يظل في وجدان الشعوب بعد زوال الكاتب، هو النزف الحقيقي الذي سجله عن تلك الشعوب، وليس النزف المستورد الذي أتى به من بعيد، ومن ذلك المنطلق فهو كاتب تركي بكل خصائص التركية من محاسن ومساوئ، وفي النهاية كاتب لبلده ومن بلده. ما ذكره باموق في مذكراته الحديثة، وبعد أن حصد جائزة نوبل الرفيعة منذ عدة سنوات بسبع روايات خاض فيها في ذاكرة بلده وتعرض لصراعاته المختلفة، ينبهنا إلى ضرورة الاحتذاء بكاتب كبير ذي تجربة كبيرة، ليس اتباع أفكاره الخاصة ورؤيته للحياة بالطبع، ولكن النظرة إلى تراثنا وأصالتنا العربية والإسلامية، ومحاولة استخلاص الكتابة منها، هنا نحن نخاطب أمة بحاجة إلى أصالتها، وربما تكون عطشى وعاشقة لتراثها، وتود أن تراه ممتدا، لا ميتا يوارى. وقد نبهت في مقال سابق عن ثراء التراث العربي وما فيه من كنوز لم تنقب كاملة ولكن كشف منها القليل، ولعل كتاب ألف ليلة وليلة بثرائه العريض ومتخيله الكثيف من الكتب التي لا يمكن تجاهلها أبدا، وقد عبرت بالثقافات كلها بعد ترجمتها إلى شتى اللغات، واستوحى منها حتى اللاتينيون عجائبيتهم المعروفة المؤثرة، أيضا كتاب مثل الأغاني، الذي يعد مصدرا بديعا لكل من أراد أن يبحر تراثيا وأن يعود بشبكة ممتلئة. أيضا ذكر باموق موضوع النسيان الآتي لا محالة بعد سنوات، وإن ما يقرأ اليوم قد لا يقرأ غدا، باستثناء أعمال قليلة ربما تعلق بذهن الأجيال فتورثها لبعضها، هو حدد ما سيقرأ بعد مائة عام بخمسة كتب فقط، ويطمح شخصيا لكتابة أحد تلك الكتب الخمسة. هنا أقر كاتب كبير بأنه لم يكتب روايته الخالدة بعد، بينما كثير منا يكتب رواية أو روايتين، فينتفخ بما أنجزه، ويظنه حدثا كبيرا يستحق أن يقرأ بلا نهاية. عموما مذكرات باموق جديرة بالمطالعة، ودائما ما أقول إن سير المبدعين في شتى المجالات جديرة بالتأمل، هنا نطالع تجارب جديدة وجميلة، وربما تكون أدلة تقودنا إلى رسم العوالم بصورة أفضل. للتواصل أرسل رسالة نصية SMS إلى الرقم 88548 الاتصالات أو 626250 موبايلي أو 727701 زين تبدأ بالرمز 104 مسافة ثم الرسالة