(أبكي على ما جرى لي يا هلي)، هي أغنية قديمة خرجت من حنجرة الموسيقار الفنان طارق عبد الحكيم شفاه الله، في زمن كانت البساطة في كل شيء هي السائدة، ولم نكن قد بلغنا مرحلة التعقيدات المدنية واحتياجاتها الضاغطة.. وحين كانت تردد تلك الأغنية لم يكن يشغلها إلا لوعة المحب. أما الآن فنحن نرددها بعد أن وصل التعقيد بنا مراحل متقدمة، هذا التعقيد الذي انتجته الخطط الاستراتجية للبلاد، والتي قصرت في استيعاب المتغيرات، ولم تلتفت إلى عناصر جوهرية في حماية المدن من التريف، وتحويل البلد إلى ثلاث مدن رئيسية، والبقية مدن للترحيل والهجرة سعيا للعلم أو العمل.. وقد مضت أكثر من أربعين عاما من غير التنبه للزيادة السكانية وأثرها المستقبلي على المدن الجاذبة وتفريغ جميع مناطق الوطن من سكانها، مما أدى إلى موات كثير من المهن كالزراعة والرعي والصيد والحرف الصغيرة، وتحول البلد إلى مجتمع موظفي دولة يبحثون عن المكتب والهواء العليل من غير إنتاجية، وزاد الطين بلة فتح البلد لاستيراد كل شيء من غير أن تعمل وزارة الصناعة على إيجاد قاعدة صناعية، وبالتالي، تحولنا جميعا إلى (بهوات وبشوات).. وهذا الوضع كان يستوجب مساءلة المخططين السابقين للبلد، وإدانتهم بالتخبط الذي تعيشه كثير من المدن هذه الأيام، كون هذا التخبط هو نتاج تخطيط غير مسؤول. الآن، وكلما مضى الزمن وتنبه أحدنا لمساوئ التخطيط عن له رفع عقيرته والتغني ب(أبكي على ما جرى لي يا هلي).. نحن نعيش (الآن) فرصة جيدة لإصلاح ما فات (ولو جزئيا)، كيف هذا؟ سأقول لكم، صدرت الأوامر الملكية ببناء خمسمائة ألف وحدة سكنية، ولو تم التخطيط السليم لهذه الوحدات، بحيث تبنى بالقرب من المدن الصناعية (كنواة) لإحداث تجمعات سكانية جديدة يكون الهدف تحويلها إلى أيدٍ عاملة منتجة، بحيث تتعهد المدن الصناعية بتجهيز مصانع صغيرة تستقطب هذه التجمعات بتدريبها وإلحاقها بالعمل (رجالا ونساء)، بحيث تتعدد نوعية تلك المصانع وفق كل ما تتميز به كل منطقة، فالتجمعات في المناطق الزراعية يتم توفير المصانع المستهدفة للمنتجات الزراعية من غزل ونسيج، والمناطق الرعوية تقام بها مصانع معنية بكل ما له علاقة بالماشية، والمناطق البحرية تقام بها مصانع لتصدير كل ما له علاقة بالمنتجات البحرية.. نستطيع إعادة البناء لخلق مجتمع متفاعل مع مفهوم التنمية الحقيقي، والمتمثل في الانتاجية وليس الاستهلاك وانتظار موازنات الدولة.. أعتقد أن على الوزارء مسؤولية إعادة البناء، ولو تم عقد اجتماع فعلي وحقيقي لتغيير خطواتنا، فإننا سوف نستطيع تغيير سيرنا الأعرج بصورة سليمة.. فليس من المعقول أن تضخ كل هذه الأموال في الهواء من غير أن ندخل في مفاهيم التنمية الحقيقية، إلا إذا أريد لنا أن نغني في كل زمان (أبكي على ما جرى لي يا هلي)، فهذا يعني أن نطالب بتوزيع موسيقي جديد للأغنية! [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 265 مسافة ثم الرسالة
