كان حديثي بالأمس حول ميزانية العائلة مع أحد رجال الأعمال الذين ينظر إليهم بإعجاب وما زلت كذلك، فوجئت بتبرمه على سير ميزانيته العائلية، وأن هناك عجزا دائما في ميزانيته رغم الدخل الخيالي الذي يحلم به الكثير (المصروف على المنزل 200 ألف)، تحاورت معه حول نسب الدخل والإنفاق، فقال لي: البركة هي الأساس، قلت: ولا تتعارض البركة مع التخطيط المالي العائلي، فقال: مدخولي بين يديك بما تنصح، قلت له: هات مجموعة من الظروف لنكتب عليها نسبة الإنفاق الشهري، ولنقسم كل نسبة على ظرفين، ظرف الأسبوعين الأولين، وظرف الأسبوعين الآخرين، كالآتي الغذاء 30 في المائة، نواحٍ طبية 10 في المائة، مصاريف سيارة من بنزين وإصلاح 10 في المائة، 10 ملابس في المائة، ترفيه 5 في المائة، طوارئ 5 في المائة، كهرباء وهاتف 10 في المائة، شراء منزل 10 في المائة، توفير5 في المائة، عمل خيري 5 في المائة، ولتأخذ بالقدر المطلوب من كل ظرف لا تقتر ولا تجور، ويمكن زيادة نسبة على حساب الأخرى بما يتفق مع أهداف كل أسرة بزيادة أو نقصان 2 في المائة، هذا بداية، فالنجاح العائلي هدف عام يسعى الجميع نحوه، ويبذلون في سبيل ذلك محاولات عديدة، وسبلا متنوعة، والنجاح الأسري نجاح مشترك يتقاسمه أفراد الأسرة جميعا، وهذه الأسرة لا بد لها من دستور واضح جلي سياسات توزع فيه الأدوار، وتحدد به المهام، وتبين فيه الحقوق، والواجبات، وترصد له الميزانيات. أسرة لها رسالة، ورؤية، وأهداف. نحن في مؤسساتنا التجارية، وأعمالنا الخاصة نضع أحلاما، وأهدافا، وقوانين، ونضع استراتيجيات، ونعدل هيكليات، هذا في مؤسسة مادية؛ بينما في المؤسسة العائلية نهمل ذلك الجانب الدستور العائلي الذي يبنى عليه التخطيط المالي، فحتى يحدث التغير السلوكي يجب أن نبدأ بتغيير التوجهات والميول، والتغيرات في الميول والاتجاهات تحتاج لأسرة واضحة المعالم، والقوانين، والأهداف، والميزانيات حتى يتم التغير وفق منطق معلوم. إن تجميع الأسرة على دستور يخفف الآلام، والمعاناة، ويقطع السبيل على ممارسة التربية العشوائية، والتي تكون ردود أفعال غير تربوية في كثير من الأحيان، فأحيانا يشتكي الآباء من خروج الولد لساعة متأخرة، أو سهر البنت أمام التلفاز، أو انشغال الأولاد بالبلاي ستيشين، وغيره من المشكلات، وعندما أسأل أحد السائلين: هل هناك قانون في البيت؟ يجيب: لا. نحن لم نتعامل مع قاعدة المناصفة التربوية التي تقول: إننا نساهم في حدوث المشكلة بنسبة النصف، وذلك بتركنا الأمور الأسرية تسير بغير انتظام، ولا منهاج، ثم نشتكي لاحقا. إن التربية من خلال دستور يحدده أفراد الأسرة، ويضعون معالمه، ويشاركون في تأسيسه، وتعديله يقي الأسرة من شرور مستقبلية، والتجربة خير برهان... وللحديث تتمة حول خطوات بناء ميزانية العائلة. * مدرب ومستشار أسري [email protected]