لم يدر بذهن مدرس العلوم الدينية في المدرسة السعودية، المولود في حارة الشام (قلب جدة) أن يقصده الناس من كل حدب وصوب ويتهافتوا عليه لإجراء عقود أنكحتهم. في عام 1392ه تحديدا تقدم أحمد بن عبدالقادر المعبي بخطاب إلى رئيس المحكمة العامة حينها يطلب من خلاله اعتماده كأول مأذون عقود أنكحة في المحافظة الصغيرة التي لم يكن يتجاوز عدد أحيائها أصابع اليدين، الأمر الذي دفع برئيس المحكمة إلى رفع الخطاب ذاته لوزارة العدل للموافقة وجاء الرد بالإيجاب من قبل وكيل الوزارة. في نفس العام صدرت موافقة وزير العدل حينها بتعيين المعبي مأذون عقود أنكحة ومنح على إثرها ترخيصا لمزاولة المهنة بشكل رسمي، ثم زاد عدد المأذونين بعد ذلك لكنه لم يتجاوز العشرة. كان الشاهد على افتتاحية باكورة مسيرة المعبي مديره في العمل الرسمي وهو الشيء الذي لم يكن ليتمناه أو يستنكف عنه، حضر أول تجربة واختبار مدير تعليم جدة آنذاك عبدالله بوقس وشارك مراسم أول عقد نكاح تولى المعبي إجراءه، إلا أن الموقف كما يصفه المأذون كان باعثا على الرهبة الشديدة، إذ إن زملاءه كلهم كانوا حاضرين أيضا، وهو ما جعل المعبي على المحك في لحظة لم يكن يحسد عليها. يقول المعبي «أصابني إبان عقد ذلك النكاح رهبة شديدة ثم توقفت في منتصف الإجراء المعتاد، لكن مدير التعليم شد على يدي وآزرني وحثني على المواصلة، فكان ذلك اليوم شاهدا على انطلاقتي الفعلية». ويضيف «واصلت مسيرتي مستعينا بالله ولم أتوقف عند حد معين لأن هدفي لم يكن ذلك، فأكملت دراستي وحصلت على الماجستير ثم الدكتوراة، وتعينت في معهد المعلمين». ويوضح المأذون الشرعي أن «تعيين المأذون سابقا كان بناء على موافقة وزارة العدل التي تعطي الإذن لرئيس المحكمة لاستخراج الرخصة، لكن الآن يشترط حصول موافقة وزير العدل عليها وتصديقها، وتكون سارية المفعول لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد إذا لم تصدر من المأذون مخالفات شرعية أو نظامية». يستدعي المعبي ذكرياته القديمة خلال مشواره المليء بالقصص المحزنة والمضحكة أو التي تجمع الحالتين معا، فأول عقد أجراه كان مهره 20 ألف ريال لزواج في بيت الكلتكاوي، ويقول «كان الناس في السابق يهدون المأذون بعد إتمامه عقد الزواج بدلة كنوع من المباركة والابتهاج بالمناسبة». ويبدو أن الزواج بات يلبس ما يعتري الوسط الاقتصادي وذلك عندما يصبح المهر متأرجحا بين قلة أو كثرة كبورصة أسهم، إذ يقول المعبي «أقل مهر شهدته كان ريال فضة، في حين أن أعلاه كان مليون ريال عينا أو نقدا». ويستحضر المعبي قصة حصلت لأحد الذين طلقوا زوجاتهم طلاقا رجعيا وأراد إرجاع زوجته لبيت الزوجية، لكنها اشترطت للموافقة على ذلك أن يسجل زوجها بيته «فيلا» باسمها، وأصرت على أن يكون تسجيل البيت باسمها قبل رجوعها إليه فوافق الزوج على ذلك، لكنه لم يكن يعلم أن طليقته كانت تخطط للعبة خفية تريد من ورائها إسقاط طليقها في الفخ الذي نصبته له بمكر ودهاء لتكسب من وراء مخططها مليونا ونصف المليون ريال. ومن المواقف الطريفة التي تعرض لها المعبي ويحكيها بنفسه «ذهبت لمهمة إجراء عقد نكاح في بيت إحدى العائلات الشهيرة في جدة، وتبعت والد الفتاة إلى منزلهم لإتمام العقد لكن تفاوت المسافة بيني وبينه أثناء قيادتي للسيارة حال بيننا وحينها لم تكن وسائل الاتصال الحديثة متوافرة، فما كان مني إلا أن دخلت أحد البيوت التي يبدو عليها ملامح وجود مناسبة، لكنني أكتشفت بعد جلوسي وتبادل الحديث مع أهل البيت أني أخطأت هدفي فأستأذنت وخرجت». وكذلك فإن من المواقف المحرجة التي تعرض لها المعبي حين تعطل المصعد الكهربائي الذي ضم بجواره العريس ووالده والدكتور هاشم عبده هاشم رئيس تحرير «عكاظ» الأسبق، فتحول المكان إلى سجن انفرادي، واضطر الجميع للبقاء ساعة كاملة في ذلك الجو المظلم إلى حين وصول النجدة (الشرطة سابقا) فأنقذت الموقف وحسمته. أبرز الأمور التي يراها المعبي اختلفت كثيرا عن السابق بذهاب البركة؛ بسبب غلاء المهور واختلاف العادات والتقاليد والمغالاة في تأثيث البيوت والمبالغة في شراء حاجيات البيت، مطالبا في الوقت بفتح الباب للخاطبين وترك الشروط التعجيزية التي تثقل كواهل الشباب. حصيلة أعمال المعبي في أربعة عقود وحتى اللحظة في هذا المجال 90 مجلدا يحوي كل منها على مائة عقد نكاح.