لم تتوقف عجلة ارتفاع الأسعار عند المواد الاستهلاكية أو السلع التجارية فحسب، بل طاول الغلاء أموراً اجتماعية بينها وليس وحدها عقود النكاح. وتأتي ظاهرة تفاوت قيمة عقود القران والطلاق في ما بين مكاتب المأذونين، وتحديد أسعارها ارتفاعاً وهبوطاً تبعاً لهوى كل مأذون على حدة، ليبدأ البحث عن الأقل سعراً لرفع العبء عن العريس، فيما يبقى الأمر من رفع مطالبات بتوحيد أسعار تلك العقود مرتدية معطف الحياء و«العيب»، كما لا يستطيع أحد المأذونين تبرير أسباب رفع القيمة مقابل إجرائه العقد أو اختلاف الإجراءات التي يقوم بها كغيره من نظرائه الممتهنين لنفس مهمته، إذ بدأ الرقم من أربعة «قروش» حتى وصل سقفه الأدنى حالياً «500 ريال». وجرت العادة والعرف الاجتماعي على منح المأذون الشرعي مبلغ500 ريال مقابل حصوره وعقده، بل من المقتدرين من يكافئه بمبالغ أكثر، وترتفع بورصة السعر تلقائياً وبصورة ودية حسب ما يكون عليه المعقود له، فيما يختلف الرقم بالنسبة للمشاهير والمسؤولين وأصحاب الأموال الطائلة وغيرهم من الطبقات المخملية، فضلاً عن تأثير المواسم في القيمة. ووفقاً للأستاذ في جامعة طيبة أحمد الشعبي أن البند السابع في المبحث الأول من مؤلفه «المأذون الشرعي وواجباته الشرعية والنظامية في السعودية» ينص على «أن يكون المأذون مُحتسباً، عفيفاً وورعاً». وفي حال مهيبة، يأتي حضور المأذون الشرعي لعقد الأنكحة الذي يعمل لصالح جهة تشريعية، لافتاً لأنظار المقبلين على الزواج أو من يقصده ليحضر تكرماً من أجل إجراء عقد للنكاح، ويشاهد في دخوله المجلس وقاراً ودفدفة للجالسين بغية تحقيق أفضل وسائل الراحة له، وكأن في عدم خشيته أمراً خطراً، على رغم أنه لا يستطيع الامتناع عن إجراء العقد وطي كتابه الذي منحته صلاحية حمله جهة مختصة يعمل لصالحها. «الحياة» استطلعت شابين حديثي الزواج، إذ بررا مع رفاقهما ذلك «بأن هيبة الموقف وربما السعادة والشغف الذي يرنو له الشاب لا يجعله يمعن النظر في تسعيرة موحدة لكتابة العقد، بل إن بعضهم بحكم الصداقة واللحمة الاجتماعية يعد العقد على شكل «فزعة» ولا يأخذ مقابله أجراً»، ويقول آخر «هناك مأذون شرعي وهو صديق العائلة، اعتادوا على إحضاره لعقودهم، مبررين بتساهله في العقد من دون إحراج ذوي «العروسة» بسؤالها أمام الحاضرين لاسيما وإن كانوا في مجلس جامع أو المرونة في تأخير إرسال نسخة العقد حتى استكمال بعض الإجراءات الأخرى». من جانبه، أكد أحد أقدم المأذونين الشرعيين المأذون الشرعي في جدة الدكتور أحمد المعبي ل«الحياة» أن المأذون شرعاً واصطلاحاً هي مهنة فضيلة لا يجب ربطها بمبلغ محدد، وفقاً لما نصت عليه اللوائح والأنظمة في البلاد، واستدرك: «ما يأخذه المأذون الشرعي من مكافأة لا يعتبر إلزاماً أو تحديداً، فهذه بدعة اختلقها البعض، إذ كان يعطى المأذون سابقاً الكسوة كغيره من الحاضرين لمناسبة عقد النكاح، وغالباً ما يكون المأذون هو إمام مسجد الحي أو البلدة». وأضاف المعبي: «في الدول الأخرى يعطى المأذون الشرعي مبلغ المال بتشريع مالي وعملي تنصه بعض اللوائح ليكون منه حصة حتى لبيت العقود التي تعرف لدينا بالمحكمة الشرعية، ولكن الحمد لله في بلادنا تسهم دولتنا في تلك الخدمات وتمنح وتصرف من أجلها ولا تطلب مقابل ذلك شيئاً، وربما ما يعانيه بعض المأذونين الشرعيين من ترامي أطراف المدن والأحياء وعناء الوصول إليها يحتم على صاحب العقد ذوقياً تقدير الوقت والجهد الذي بذله بغية الوصول إليهم، فضلاً عن ذلك يأتي موضوع الأرشفة وتدوين العقود والرفع بها للجهات المعنية كعامل آخر يستحق التقدير، كما يعتبر المأذون الشرعي أرشيفاً يعود إليه بعض المتزوجين للحصول على نسخة مما يفقدونها من عقود أنكحتهم».