لم يكن مستغربا أن يحقق خادم الحرمين الشريفين تطلعات شعبه في إطلاق الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد للحد من جوانب القصور وهدر الأموال الحكومية. والحقيقة أن هذا القرار، طال انتظاره منذ سنوات في ظل اتفاق الغالبية العظمى على وجود أزمة حقيقية في إدارة موارد الدولة وضياع الكثير من الأموال دون الاستفادة منها، نتيجة تعثر الكثير من المشاريع وضعف الرقابة على معدلات الإنجاز. ولعل مدينة جدة بأوضاعها الحالية بعد أزمة السيول والبناء نظاميا في مجاري أودية تعد نموذجا بارزا للعيان. لقد كشفت الكثير من التقارير الرقابية أن 97 في المائة من مشاريع الدولة تعاني من تأخير وتعثر لسنوات، ما يزيد من كلفة المشاريع ويؤدي إلى خسائر كبيرة، ويزداد الأمر صعوبة على الفهم إذا أخذنا بعين الاعتبار أن مخصصات المشاريع متوفرة وأن الأزمة تكمن في الإدارة وغياب الإرادة عن تطبيق القوانين التي تردع المقصرين. وإذا كان الأمر كذلك فإن العجيب أن غالبية المقاولين في مأمن من أي عقوبات وإن تمت تكون هزيلة ولا توازي حجم ما تحققه هذه الشركات من أرباح. والمؤمل أن تنطلق هذه الهيئة بقوة في ظل الملفات الساخنة أمامها لاسيما في المشاريع البلدية التي أصابت المدن بالتلبك المروري والاختناقات، نتيجة البطء في التنفيذ. ولأهمية هذا الملف بالنسبة لخادم الحرمين الشريفين الذي تبرأ أكثر من مرة من الفساد والمفسدين في أي مكان وتحت أي ظروف، حرص الملك على أن ترتبط الهيئة به مباشرة لضمان تحقيق أقصى معدلات الشفافية والنزاهة في أعمالها، كما اختار لها محمد الشريف، الذي يتمتع بخبرة كبيرة في العمل الرقابي على مدى سنوات طويلة. ولاشك أن تعيينه على مرتبة وزير يضمن له صلاحيات واسعة للتحرك حتى تحقق الهيئة أهدافها. ولا جدال على أن هناك جانبين يجب على الهيئة الاضطلاع بهما الأول وقائي ويتعلق بسد الثغرات التي تؤدي للفساد من خلال سن الأنظمة والقوانين التي تتمتع بفعالية، والجانب الثاني رقابي إصلاحي، ويتعلق بدراسة التقارير المختلفة للوقوف على جوانب القصور والدعوة لإصلاحها. والحقيقة أن إعادة النظر في نظام المشتريات الحكومية لتتم ترسية المشاريع على الشركات ذات الجودة والخبرة، بدلا من النظام المعمول به حاليا بالترسية على الشركات الأقل عروضا يمكن أن يكون مدخلا جيدا لهذه الهيئة المنتظرة منذ سنوات.