بعد أن عبر صديق يعمل في مؤسسة اقتصادية حكومية ويتقاضى مرتبا شهريا يزيد على مرتب وزير المالية عن اضطراب في مشاعره الوطنية ورغبته في الهجرة إلى أمريكا، قلت له ساخرا إن المطار لحسن حظه لا يبعد عن بيته أكثر من 20 دقيقة!! أما المثقف الذي انتقل للعيش في القاهرة، بينما مازال ينشر مقالاته في صحيفة سعودية، فقد أجابني عندما سألته في أروقة معرض الكتاب بالرياض عن موعد عودته إلى القاهرة، أنه هذه المرة باق حتى هدوء الأوضاع في القاهرة، فقلت له لكن الحالة الأمنية تبدو جيدة، فأجاب المشكلة ليست في الأمن و إنما في «التموين»، ولولا تمسكي بقدر من الكياسة لقلت له: إذن أعادك «بطنك» لوطنك!! لست أعيب على أي إنسان أن يختار المكان الذي يناسبه للعيش في أي بقعة كانت بحثا عن لقمة العيش أو الراحة النفسية، لكن أعيب عليه أن يجعل من وطنه جسرا يعبر منه على رماح ضميره المسننة لتبرير إدارة ظهره له، فالإنسان يستطيع أن يخاصم مجتمعه ومؤسساته وكل شيء فيه لكنه لا يستطيع أن يخاصم وطنه، فالوطن ليس المؤسسات التي تنظم العلاقات على ترابه وليس المجتمع الذي يجسد الحياة على ترابه بل هو أكبر من ذلك بكثير، هو التراب الملموس والوجدان المحسوس!! إن من يجعل وطنه خصما له هو إنسان لا يعاني من اضطراب في مشاعره فحسب وإنما من عجز في القدرة على فهم الوطنية بمعانيها الوجدانية التي تمثل الانتماء الفعلي، فما يربط الإنسان بوطنه ليس وثيقة ورقية، وإنما جذور تمتد في أعماق التراب، ومشاعر تضرب في أعماق الوجدان!! هؤلاء الساخطون الذين يختارون الرحيل إنما يختارون في واقع الأمر الهرب من مواجهة مسؤولياتهم تجاه وطنهم، فإصلاح الأخطاء والمساهمة في مواجهة المشكلات والتصدي للسلبيات هو المواطنة الحقيقية!!. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 153 مسافة ثم الرسالة