عندما تطارد قطة بعصا، وتهرب من أمامك، ثم تحاصرها أخيرا في ركن من أركان الغرفة، فلن تجد القطة الضعيفة أي مفر سوى أن تقفز في وجهك وتستخدم أنيابها وأظافرها لإيذائك والدفاع عن نفسها، ثم وللتخلص من الأذى والشر. الذى يحدث فى ليبيا الآن، وحدث قبل ذلك فى دول عربية وأفريقية أخرى، يشبه كثيرا المثال السابق، وما هو إلا تصحيح وضع قائم عانت منه بعض الشعوب معاناة قاسية وصبرت عليه صبرا طويلا. كارثة بعض الشعوب أن بعض الحكام يمارسون عليها القهر والقمع لفترة طويلة كما حدث فى ليبيا الشقيقة، إلى أن يعتبر هؤلاء الحكام أن خنوع شعوبهم أصبحت قضية مسلما بها، وأن كرامتهم قد زالت وتحللت إلى غير رجعة. بذلك يفقد الحاكم تدريجيا رويدا رويدا احترامه لشعبه واعترافه بوجوده وحقوقه، إلى أن يتم الفصم تماما والانفصال كاملا بين الحاكم المتغطرس وشعبه المستضعف. وهنا يتصرف الحاكم وكأن شعبه لا وجود له على الإطلاق، لا إحساس فيه ولا نبض ولا صوت، جثة خامدة لا حياة فيها. والكارثة الكبرى أن هذه الفئة من الحكام الذين يتميزون بنزعة «سادية»، أي غريزة حب تعذيب الآخرين والتشفي منهم والاعتداء عليهم، يصيبهم جنون العظمة فيظنون أنهم خالدون، وأن الشعب ما هو إلا تحصيل حاصل، أنهم هم فقط الذين يعرفون كل الحقيقة وأن شعبهم جبان ضعيف لا يفقه شيئا ولا يريد شيئا سوى قوته اليومي، دون طموحات أخرى. وبالطبع يظن هؤلاء الحكام المستبدون أن التغيير لا يمكن أن يحدث، وغير وارد في حساباتهم، وأن ما كان بالأمس هو حاصل اليوم وسوف يبقى إلى الغد وبعد غد، وهذه خطيئة كبرى لا يرتكبها إلا الحمقى الذين يترفعون على التاريخ ولم يقرأوا شيئا فى تاريخ الأمم. لقد مرت بعض المجتمعات الأوروبية منذ بضعة قرون بمواقف مشابهة، وتعلمت دروسها جيدا، إلى أن أصدر الملك جون فى إنجلترا وثيقة أو منهج «ماجنا كارتا» التي كانت بمثابة رمز وتحول تاريخي لحماية حقوق المواطنين وحرياتهم المدنية والسياسية، وحمايتهم من القهر والجور أو البطش السياسي. واستمرت هذه الدول في تطوير هذا المبدأ إلى أن تحولت مجتمعاتها إلى ما هي عليه اليوم من تنوير اجتماعي ومدني وسياسي. لذلك لا نسمع اليوم ولا نرى فى هذه الدول الأوروبية مثل هذه الاضطرابات والمظاهرات والاحتجاجات، وسفك الدماء وأعمال القمع التي نشاهدها في ليبيا الشقيقة وغيرها من دول العالم الثالث، وخاصة العالم العربي. يحدث كل هذا من غليان واحتجاجات ومطالبة بالحريات المدنية والسياسية وحفظ كرامة الفرد من قبل المواطنين، يقابلها المزيد من القمع والدمار والقتل من قبل حكام لا يعرفون شيئا عن مخافة الله واحترام إرادة الشعوب، في الوقت الذي تحتاج فيه الأمة العربية والإسلامية أشد ما تحتاج إلى انفتاح سياسي، وتنمية اقتصادية اجتماعية، ومساواة في الفرص، واحترام حقوق الإنسان وكرامته وحقوق المواطنة، وتنمية الإحساس بالانتماء الحقيقي للأوطان النابع من القلب وعن قناعات راسخة، وتحسين نوعية حياة مواطنيها في كافة المجالات. يحدث هذا الشد والجذب بين الشعوب من جهة وبين بعض الحكام الذين فقدوا الضمير والبصيرة وفقدوا مخافة الله من جهة أخرى، في الوقت الذي تحتاج فيه الأمة العربية والإسلامية إلى أقصى ما يمكن من التلاحم ووحدة البنية الوطنية الداخلية والإقليمية، ومحاربة الفساد السياسي والإدارى والاجتماعي، وتهيئة الأجواء لمستقبل أفضل للأجيال القادمة التي سيكون لها الحكم الأول والأخير على إنجازات أجيالها السابقة، أجيال آبائها وأجدادها، إما بالثناء أو باللعنة. كل ما يحدث الآن في رأيي هو محاولة يائسة لتصحيح الوضع، قطة مرعوبة كشرت عن أنيابها وأبرزت أظافرها الحادة في مواجهة المحاصرة بالعصا، دفاعا عن حياتها ووجودها. شعوب تطالب بتحسين أوضاع، وتعلن عن خيبة أملها في حكامها المنعزلين عنها، وحكامها يهددونها بالويل والثبور وعظائم الأمور. ولكن التاريخ هو معلمنا الأول، ومنه تعلمنا أن الحوار الهادئ الصادق الهادف هو بداية التعايش السلمي المثمر، وأن عمليات الإصلاح ليست بتلك الصعوبة التي يتصورها البعض، بل هي أمر غاية فى اليسر والبساطة، شريطة أن توجد العزيمة والإرادة، وهذا هو الطريق الصحيح. وقديما وضعوا لنا مثلا خفيفا، بسيطا، صغيرا من أربع كلمات فقط، ولكنه يحتوي على قمة الحكمة، قالوا لنا «لا يصح إلا الصحيح». حمى الله بلادنا المقدسة من هذه الفوضى غير الخلاقة، وأعاننا على تحقيق أهدافنا الخيرة ومسيرة الإصلاح التي رفع لواءها قائد حكيم ووالد حنون، وحقق أملنا في المزيد من الاستقرار والتلاحم الوطني البناء. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 129 مسافة ثم الرسالة