لا أدري لم اصطلح الناس على الرمز إلى الكذب بالأرانب؟ ما وجه الشبه؟ إني لست أدري، وليت من يعرف يخبرني. قد أفهم أن الناس أطلقوا رمز الأرنب على الكذب امتدادا لعادتهم بالهرب من تسمية الأشياء المكروهة أو المخيفة بأسمائها والاكتفاء بالتكنية عنها، فالكذب صفة مكروهة تبعث على عدم الراحة، ولا أحد يود أن تنسب إليه، لا أفهم لماذا اختار الناس الأرنب بالذات وليس غيره ليرمزوا به إلى الكذب؟ هل للتشابه بين الاثنين، الأرنب والكذب في سرعة الإفلات والتملص لست أدري!. الأرانب أنواع، منها الكبير والصغير، والأبيض والأسود، والقصير والطويل، والسريع والبطيء، وكما أن الأرانب أنواع فإن مقتنيها أيضا أنواع، كبار وصغار، نساء ورجال، مثقفون وعامة، أغنياء وفقراء، تتعدد الأنواع وتتغير الأشكال، لكن الجميع يبقون مشتركين في صفة واحدة، اقتناء الأرانب. لم يكذب الناس؟ هل الكذب فطرة فيهم أم هو مكتسب؟ هل الكذب جزء من مركبات الصفة البشرية، أم أنه تسلل إلى الناس عبر عدوهم الأكبر إبليس؟، كان أبوانا ينعمان هانئين بالعيش في الجنة حتى جاء إبليس ليكذب عليهما كذبته العظمى عندما أخبرهما عن شجرة الخلد فقال: «ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين»، فصدقا كذبته ليقع ما وقع من الحرمان من الجنة. تلك كانت الكذبة الأولى، أرنب ضخمة، تناسلت منها ملايين الأرانب وعمرت بها ملايين النفوس الآدمية، بلغ من تغلغل الكذب في نفوس الناس أنهم لا يتورعون حتى عن الكذب على أنفسهم، يخدعونها فيوهمونها بما هو غير الحق، وأحيانا يدلسون عليها بقول إن الكذب لا يكون إلا في صورة واحدة، قول ما يخالف الحقيقة فقط، أما ما عداه فليس كذبا، هم لا يرون كذبا في كتم الحق أو عدم إظهاراه كاملا، بل هم يعدون ذلك نوعا من الحكمة، فيقولون: ليس كل من يعلم يقال، أي أن الإنسان حين لا يخبر بكل ما يعلم فيظهر بعضه ويصمت عن بعض، هو لا يكذب، وإنما يصغي لصوت العقل ويتبع الحكمة! من الحكمة أن لا تخبر بكل ما تعلم. كذلك هم يرون أن من الحكمة، وليس من الكذب، أن لا تطلع الناس على حقيقة رأيك فيهم، فأنت حين تقول لمحدثك إنك تصدقه وتتفق معه في ما يقول، حتى وإن كنت في أعماقك تشك في صدق كلامه أو تخالفه الرأي، أنت لا تكذب وإنما تمارس الحكمة!. ولأن الكذابين كالأرانب في سرعة الجري والاختباء بكذباتهم، فإنهم لا ينكشفون دائما، وتقول بعض الإحصائيات إن نسبة النجاح في كشف الكذابين لا تزيد عن (50 %)، وكل ما يدعى من مهارات في اكتشافهم وضبط حالات الكذب ليس صحيحا ولا دقيقا، وإنما هي مجرد احتمالات، فالكذب ليس له علامات مؤكدة، وإنما هي ملاحظات غير موثوقة كقول إن من يكثر من القسم ويغلظ فيه هو غالبا يكذب ويسعى من وراء القسم إلى تغطية كذبه. أو أن من يتحاشى النظر إلى محدثه أو يرتبك في نطقه هو يكذب، فهناك من الكذابين مهرة يتحدثون بثقة واطمئنان كأنهم لا يقولون سوى الحق. ص. ب 86621 الرياض 11622 فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة