ارتبط العمل التطوعي ارتباطا وثيقا بكل معاني الخير والعمل الصالح عند كل المجتمعات البشرية منذ الأزل ولكنه يختلف في حجمه وشكله واتجاهاته ودوافعه من مجتمع إلى آخر، ومن فترة زمنية إلى أخرى، لكنه يبرز في فترات الكوارث والأزمات ويبعد عن الأنظار في فترات الاستقرار والهدوء، إلا ما يقدمه أولئك المنتسبون إلى الجمعيات الخيرية والتنموية والمدنية سواء كان تطوعهم يدويا أو عضليا أو مهنيا أو تبرعا بالمال أو غير ذلك، إن التطوع أصبح ركيزة أساسية في بناء المجتمع ونشر التماسك الاجتماعي بين الناس لأنه ممارسة إنسانية ترتبط بعدة دوافع. ويشير الطبيب النفسي الدكتور محمد الحامد إلى أن الإنسان عندما يتطوع فإن لديه حسا وانتماء وطنيا لأن في ذلك نزعة إنسانية تحمل المرء على التفاعل مع الآخرين والتفاعل معهم بعيدا عن الأنانية، فإن ذلك يؤكده المتطوعون أنفسهم في وصفهم بأن العمل التطوعي يشعرهم بالرضا والراحة والشعور بالذات، مطالبين بتربية النشء على التطوع لتحقق التوازن النفسي للمجتمع. الطبيب المتطوع أسعد سعيد بافرج يرى بأن العمل التطوعي هو من أجل الأعمال وأحبها إلى قلبه، وقال: «سعادتي بذاتي عندما أقدم خدمة لمحتاج»، مشيرا إلى أن فتح المجال أمام المتطوعين لتقديم خدماتهم حسب تخصصاتهم للمحتاجين هو نوع من البر والمساعدة في تزكية النفس والعلم الذي تلقاه الفرد في حياته ليسعد به الآخرين. بافرج الذي يشارك في العديد من الحملات التوعوية الطبية بشكل تطوعي ويساعد في علاج المحتاجين، قال: «كثيرا ما نشعر بالحاجة إلى منحنا الفرصة لتقديم الخدمة للمحتاجين لاسيما أن خدمة التطبيب هي من أجل المهن التي ترتبط بالإنسانية»، وأضاف: «أنا وزملائي نسعد عندما نجد الفرصة لتقديم الخدمة للمحتاجين لاسيما أن تقديم الخدمة في أوقات الفراغ هي نوع من التطبيق المهني خصوصا لطلبة الطب الذين أدعوهم إلى أن يطبقوا دراساتهم وما تعلموه في الميدان». استيقاظ الهمم أما المتطوع الدكتور إبراهيم السلمي عضو لجنة التنمية الاجتماعية الأهلية في مكةالمكرمة المشرف على الإعلام في اللجنة فتحدث عن أهمية نشر ثقافة التطوع في المجتمع، مؤكدا بأن الحياة بكل متغيراتها أصبحت تتوجه نحو المادية البحتة وقال: «المطلوب إعادة التوازن النفسي للمجتمع من خلال نشر ثقافة التطوع من أجل خدمة الأفراد وخدمة الوطن لإيقاظ الضمائر واستيقاظ الهمم، وهذه تساعدنا على التأكيد أن ثقافة التطوع جزء من الحراك الاجتماعي الذي يجب أن نعتني به». السلمي الذي انتهى من دورة تدريبية ضمن مشروع «الخير الشامل بالتعاون مع برنامج مايكروسوفت للمسؤولية الاجتماعية لتعزيز الحصيلة المعرفية في مجال تطبيقات الحاسب الآلي وحلوله التقنية وأدواته التطبيقية لخدمة المجتمع، التي التأمت في مقر الكلية التقنية في مكةالمكرمة أمس الأول، بدعوة من لجنة التنمية الاجتماعية الأهلية في مكةالمكرمة، أوضح أن التطوع بات من الأعمال الظاهرة البارزة اليوم في واقع الناس، وخاصة مع وجود الأزمات والمحن التي تصيب البشرية نتيجة الحروب أو الكوارث، وصارت الأمم والشعوب أفرادا وجماعات يتسابقون إليه، وقامت من أجله المؤسسات والجمعيات، وهذا مما ينبغي أن يكون المسلمون أسبق إليه»، وأضاف: «العمل التطوعي دافع أساسي من دوافع التنمية بمفهومها الشامل اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا، ودليل ساطع على حيوية المجتمع واستعداد أفراده للتفاني والتضحية». شباب جدة بدوره رأى المتطوع المهندس محمد باخريبة سفير النوايا الحسنة لبرنامج سفراء العالم، الشريك المنظم لبرامج التوعية الصحية لمنظمة الصحة العالمية التابعة لبرنامج الأممالمتحدة، أن التطوع كعمل خيري هو وسيلة لراحة النفس والشعور بالاعتزاز والثقة بالنفس عند من يتطوع، وقال: «سنويا عندما نشرع في حملة صحية سواء عن الدرن أو غيرها نجد أعدادا كبيرة من الشباب يرغبون في التسجيل في الحملة إيمانا منهم بأهمية التطوع وخدمة المجتمع»، وأضاف: «من خلال معايشتي للشباب أجد أن العمل التطوعي يشعر الشباب المتطوعين بالشعور بالذات والانتماء والرغبة في الحياة والثقة في المستقبل، فالعمل التطوعي أجده أفضل علاج للمصابين بالاكتئاب والضيق النفسي والملل؛ لأن التطوع يعطيهم الأمل في حياة جديدة يتعرفون فيها على أصدقاء جدد فبذلك الحياة تصبح لديهم انطلقت من جديد». ولفت باخريبة إلى أن منظمة الصحة العالمية التابعة لبرنامج الأممالمتحدة امتدحت دور شباب جدة في نشر التوعية الصحية داخل مجتمعهم ضمن حملة «مليون شاب صفا واحدا ضد الدرن» في مارس الماضي، وذلك رغم الرطوبة العالية والشمس الحارقة التي كان عليها حال طقس مدينتهم بحسب المنظمة. وقال: «اعتبرت منظمة الصحة العالمية أن استعانة شباب جدة بالوسائل التقنية الحديثة على شبكة الإنترنت مثل موقع اليوتيوب والفيسبوك دلالة على تنظيم العمل التطوعي ونشر المعرفة». قيم أخلاقية أما المتطوع علي محمد الزهراني فقال: «الدافع للعمل التطوعي لدي انطلق من مبدأ إنساني وأخلاقي اتجاه ما حصل في جدة»، وأضاف: «ما قمت به أعتبره عملا نبيلا أتشرف بالقيام به سواء في أوقات الأزمات أو في غيرها»، وزاد: «كل عمل تطوعي وراءه قيم وحوافز دينية وأخلاقية واجتماعية وإنسانية، وهذه القيم يجب أن يلتفت إليها المربون وينشؤوا عليها النشء».. التربية الوطنية واعتبر المتطوع علي الشوتي العسيري العمل التطوعي تجسيدا عمليا لمبدأ التكافل الاجتماعي باعتباره يمثل مجموعة الأعمال الخيرية التي يؤديها بعض الأفراد الذين يتحسسون آلام الناس وحاجاتهم فيدفعهم ذلك إلى التبرع بجهودهم وأوقاتهم وأموالهم لخدمة هؤلاء الناس وتحقيق الخير والنفع لهم،اقتصاديا، وقال: «الأهم أن العمل التطوعي يشعر من خلاله المتطوع بالراحة النفسية، والرغبة في اكتساب الأصدقاء، وقال: «قد نجد حب الظهور هو ما يدفع الشخص للتطوع ،لكن أسمى أعمال التطوع هي التي تنبع من الذات والتي لا تنتظر مدحا أو ظهورا إعلاميا أو أجرا مقابلا لذلك»، وأضاف: «علينا تكريس العمل التطوعي عبر مادة التربية الوطنية في المدارس، وإبراز هذه الأعمال عبر وسائل الإعلام المختلفة لتكريس هذه القيم الأخلاقية النبيلة». واقترح العسيري دعم افتتاح مؤسسات مدنية لاحتضان الشباب لتعزيز ثقافة العمل التطوعي، وقال: «العمل المؤسسي يسهم في جمع الجهود والطاقات الاجتماعية المبعثرة».