مقار أمن وسيارات شرطة محترقة ومقاهٍ مخربة وأشجار وكراسي مقتلعة ومبعثرة، تلك كانت الصورة في شارع الحبيب بورقيبة الرئيس في العاصمة التونسية بعد أن تحول إلى ساحة معركة حقيقية بين عناصر الشرطة و«إرهابيين» تتهمهم بالسعي إلى «إشاعة الفوضى». وعند الساعة 23:00 من مساء الجمعة كان وسط العاصمة التونسية يشهد مطاردات حقيقية بعد أن آثارت مجموعات من المتظاهرين لخمس ساعات قوات الأمن المنتشرة قرب مقر وزارة الداخلية، مطالبين ب «سقوط الحكومة» بعد تظاهرة ضخمة في ساحة الحكومة بالقصبة نهارا. وأطلقت قوى الأمن عيارات تحذيرية من الرصاص والغاز المسيل للدموع تلاهما إطلاق نار من أسلحة آلية، فساد الذعر الأهالي في العاصمة التي لم تشهد مثل هذا الحجم من العنف بعد الإطاحة بزين العابدين بن علي في 14 يناير (كانون الثاني) 2011. وجاب بعد ذلك جنود وعناصر من شرطة مكافحة الشغب وشرطيون باللباس المدني ملثمون ومسلحون بالهراوات المدينة، وحلقت مروحيات الجيش لساعات في مساء العاصمة على علو منخفض. بيد أن كل ذلك لم يثن مجموعة صغيرة من المتظاهرين المصممين على اقتحام مبنى وزارة الداخلية المحاط بالأسلاك الشائكة ودبابات الجيش وأضرمت النار في سيارات الشرطة في مرآب الوزارة. وغطت شارع الحبيب بورقيبة سحابة من الدخان الأسود مع الحرائق العديدة التي أشعلها المتظاهرون، وأصبح الهواء خانقا بسبب كثافة الغاز المسيل للدموع ودخان الحرائق. وبدت قرب المكان دراجتا شرطة وهي لا تزال تحترق، وعلى بعد أمتار بدت واجهة مفوضية الشرطة القريبة من شارع يوغسلافيا وقد غطاها السواد، وتم اقتلاع كتل رخامية في مدخلها وتحطيم نوافذها. وفي ناحية أخرى من وسط العاصمة ومع استمرار دوي الطلقات، كان متجر كبير من سلسلة «مونوبري» غير بعيد عن مقر سفارة فرنسا يحترق بعد أن تم نهبه. وبدت قوات الأمن وهي توقف المتظاهرين بعنف وبعضهم لم يتورع عن ضرب رجل سقط أرضا وكان يصرخ من شدة الخوف. وأمضت العاصمة التونسية بقية ليلتها وسط طلقات متفرقة.