بعد وفاة عبد الناصر وتولي السادات، كتب توفيق الحكيم رواية عنوانها «عودة الوعي»، يشير فيها إلى أن الناس كانوا فاقدين الوعي أثناء فترة حكم عبد الناصر، وأنهم كانوا يسيرون خلفه غائبي الذهن، وأن حكم السادات جاء ليعيد إليهم ما افتقدوه من الوعي في عهد عبد الناصر. يومها لم أتفاعل مع رواية الحكيم مطلقا، بل ازدريته حين بدا لي مثله مثل كثيرين غيره من الكتاب، الذين ما إن تظهر بوادر التغيرات السياسية حتى يتسابقوا إليها ليتسلقوا عليها للوصول إلى الحكام الجدد. ليلة البارحة، عندما كان إخواننا المصريون يحتفلون بنجاح ثورتهم وتحقق مطالبهم، ظهر على شاشات التلفزيون كثير من المحللين السياسيين، الذين أخذ بعضهم يتمادى في ذم النظام السابق ويصور القادم في أجمل صورة وأبهاها. فالبعض منهم صور أن مجرد إزاحة الحاكم تكفي لتغيير ما يعتري البلد من فساد وظلم وفقر وتخلف، ولم يبد شكا أو يعتريه تردد في رسم صورة بديعة الجمال للمستقبل القادم. هناك من يتخيل أن مصر مقبلة على نظام ديموقراطي صادق ونزيه، وأنه نتيجة لذلك ستكون هناك رقابة صارمة على الفساد، مصحوبة بشفافية واضحة لا تستر خبيثا خلفها، وأن الأحزاب السياسية ستكون متعادلة القوى يراقب بعضها بعضا، وأن انتقال السلطة من رئيس لآخر سيسير وفق الدستور بلا أبدية لحكم أحد، كما أن الخير سيعم فيزدهر الاقتصاد وتتوفر الأعمال ويرتفع المستوى الصحي ويعيش الناس حياة الترف المفقود... إلى آخر تلك الرؤى الجميلة التي تختزنها أحلام البسطاء والمعدمين. في تصوري، أن التخلص من الفساد لا يعني بالضرورة ولادة الإصلاح، هو قطعا خطوة أولى ضرورية نحو الإصلاح، لكنه ليس كل شيء، فالإصلاح لا يتحقق ذاتيا بمجرد الإطاحة بنظام وإقامة غيره، كما أنه لا يحدث سريعا بين يوم وليلة كسرعة تغيير النظام، الإصلاح يتطلب وقتا أطول بكثير لأنه يتعلق بإصلاح الفرد وليس الأنظمة، وإصلاح الفرد يطول ويطول. ما يعاني منه العالم العربي، غياب الوعي بين كثير من أبنائه، قبل فساد بعض أنظمته. والإصلاح لا يمكن أن يحدث ما لم تتحقق استعادة الوعي أولا، لكن عودة الوعي تتطلب زمنا طويلا. وإلى أن تتحقق تلك العودة، فإن خطر الفوضى والتعرض للاستغلال من قوى أخرى وبروز عناصر فاسدة جديدة، تظل هي ما يلوح قريبا في أفق المستقبل. أما المصريون، فقد أثبتوا أن لديهم من الوعي ما يمكنهم من تحقيق التضامن والتكاتف بينهم. فتهنئة صادقة للشعب المصري على نجاحه في بلوغ ما يطمح إليه، بعد أن أثبت للعالم أنه لا يعوزه الوعي ولا الصمود. نسأل الله الكريم أن يحفظ مصر من أيدي السوء، وأن يزيد من أعداد الواعين من أبنائها الذين يقدمون فعلا لا قولا مصالح بلدهم وأمتهم على كل شيء. ص. ب 86621 الرياض 11622 فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة