المتظاهرون الذين أصابوا الحياة في مصر بالشلل ودفعوا الحكومة إلى تقديم تنازلات لم يكن يتصورها أحد قبل أسبوعين، ما زالوا بعيدين عن تحقيق هدفهم الرئيس بإنهاء حكم الرئيس المصري حسني مبارك القائم منذ 30 عاما. لكن يبدو على الأقل في الوقت الحالي أن الحكومة استعادت اليد العليا، وتتحكم في وتيرة التغيير وتسحب المعارضة تحت مظلتها لإجراء حوار. فإن وضع في الاعتبار ما ورد، تظل هناك تساؤلات جمة تكتنف المقبل. مكاسب المعارضة بعد أسبوعين من الاحتجاجات، قال مبارك إنه لن يرشح نفسه في انتخابات الرئاسة المقبلة المقررة في سبتمبر (أيلول) وتم استبعاد تولي ابنه جمال الرئاسة خلفا له وعين نائب رئيس لأول مرة منذ 30 عاما، واستقالت هيئة مكتب الحزب الوطني الحاكم، وأقيلت الحكومة السابقة. وربما الأهم أن مئات الآلاف يمكنهم الآن النزول إلى الشارع دون خوف. وقبل بدء موجة الاحتجاجات في 25 يناير (كانون الثاني) كانت الشرطة تسحق أي احتجاجات ولو شارك فيها بضعة مئات. إنها مكاسب ضخمة انتزعت من القيادة المصرية التي احتوت أصوات المعارضة بشكل شبه كامل باستثناء عدد قليل من الصحف المستقلة القوية. ولكن الحكومة لم تذعن حتى الآن لمطلب المحتجين الرئيس بتنحي مبارك الآن، ويبدو أن صحيفة «الجمهورية» المملوكة للدولة لخصت الأمر برمته وكتبت في صدر صفحاتها «عهد جديد» فوق صورة لاجتماع نائب الرئيس عمر سليمان مع المعارضة وهم جالسون أسفل صورة معلقة على الجدار لمبارك. أين تقف الحكومة رغم رفض القوى الأساسية المعارضة التزحزح عن موقفها بشأن السماح ببقاء مبارك، إلا أن عناصر أكثر براجماتية تقول إن الرئيس ينبغي على أقل تقدير أن ينقل سلطاته لنائبه عمر سليمان. ورفضت الحكومة المطلبين وأقنعت ممثلي المعارضة الذين انخرطوا في الحوار بقبول بيان للحكومة كأساس للتفاوض يضع المؤسسة الحاكمة في مقعد القيادة. وأشار البيان الصادر عقب الجولة الأولى من المحادثات الأحد إلى استكمال الرئيس فترته الحالية في سبتمبر (أيلول)، وهو توقيت إجراء الانتخابات الرئاسية. وهذا يعني أن الحكومة تملي الجدول الزمني لرحيل الرئيس. ويطالب المحتجون برفع حالة الطوارئ المفروضة منذ عقود من الزمان، ويقولون إنها تستغل لكبح المعارضة. وذكر بيان الحكومة أن رفع حالة الطوارئ يتوقف على الوضع الأمني بدلا من قبول مبدأ الإلغاء الآن. ونحى البيان مطلب حل البرلمان وقال إن الحكومة ستقبل الأحكام الصادرة ضد النتائج المزورة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2010، التي تصفها جماعات حقوق الإنسان بالفضيحة. وهذا لا يحقق مطلبا آخر بإجراء انتخابات جديدة لانتخاب برلمان عوضا عن الحالي الذي يهيمن عليه الحزب الحاكم الذي يتزعمه مبارك. مدى وحدة المعارضة يبدو أن اتجاهين عريضين يسريان بين الشباب الذي يمكن الزعم إلى حد مقبول أنهم يقودون الاحتجاجات وبين جماعات معارضة ذات طابع رسمي بشكل أكبر من ليبراليين، يساريين، إلى إسلاميين يعتبرون أكثر براجماتية وأكثر استعدادا لاستغلال الوضع السياسي. ومن أقوى الأصوات في صفوف المعارضة جماعة الإخوان المسلمين التي توارت في المقعد الخلفي في بداية الاحتجاجات. وتجري الجماعة حوارا مع الحكومة الآن وهو أمر لم يكن متخيلا قبل 25 يناير (كانون الثاني). وطالما استخدمت الدولة الجماعة لإثارة حالة من الخوف بصفة خاصة في الغرب وتصويرها على أنها تسعى لتأسيس نظام حكم ديني. ولكن لم تعد هناك أرض موحدة بين صفوف المعارضة. حتى طلب المعارضة بتنحي مبارك قبل الموافقة على إجراء حوار مع الحكومة لم يعد مطلبا موحدا كما كان. وجماعة الإخوان المسلمين التي ينظر إليها على أنها أكثر حركات المعارضة تنظيما، والتي كانت ترفض الحوار قبل تنحي مبارك، غيرت رأيها وانضمت للحوار. وداخل صفوف الإخوان يبدي البعض استياء من استسلام القيادات بسهولة لخدعة الحكومة. ولم يتزحزح الشبان المعتصمون في ميدان التحرير، ويقول المحاسب سيد عبدالهادي (28 عاما) وهو يكتب شعارا مناهضا لمبارك على الطريق: ولكن هؤلاء الشبان يفتقرون لقيادة واضحة ويواجهون تحديا الآن لاستعادة الزخم الجماهيري في وقت المصريين في أمس حاجة لاستعادة حياتهم الطبيعية. ماذا سيحدث؟ يمكن أن تؤدي تفاصيل دستورية بشأن إمكانية تفويض سليمان سلطات الرئيس وفي نفس الوقت تنفيذ الإصلاحات المطلوبة لإجراء انتخابات رئاسية حرة ونزيهة إلى تعطيل المفاوضات بسهولة كبيرة. وثمة جدل بشأن مادتين الأولى تقول إنه لا يمكن لنائب الرئيس الذي يخول سلطات الرئيس حل البرلمان أو تغيير الدستور والأخرى تقضى بأنه يحق للرئيس تعيين نائب وتحديد اختصاصاته وهي ربما تلمح لإمكانية تفويض النائب سلطات الرئيس بالكامل. ويمكن أن يستغرق مثل هذا الجدل شهورا، ومرة أخرى سيكون ذلك لمصلحة الحكومة وبقاء مبارك حتى سبتمبر. ومع طول المدة ربما ينتاب المصريون الذين يريدون تغييرا فوريا القلق من جديد ويعودون بأعداد كبيرة إلى الشارع. وبعد أن أبدت جماعات المعارضة حسن النوايا بالانضمام إلى المحادثات يمكن أن تنسحب منها إذا لم تقدم الحكومة تنازلات كافية. وقد أعلنت بالفعل أن موقف الحكومة شديد الجمود. وقد يؤدي الانسحاب لمزيد من الاحتجاجات في الشوارع. قد تكون مرونة الاقتصاد المصري عاملا أيضا، فإن عاقب المستثمرون الجنيه المصري سيقود ذلك سريعا لارتفاع أسعار المواد الغذائية لتتفاقم مشكلة التضخم التي دفعت الكثير من المصريين للنزول إلى الشوارع في المقام الأول. وستكون سرعة انتعاش السياحة عاملا أساسيا لأن القطاع يمثل 11 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. واتسمت الأسواق المالية باستقرار نسبي حتى الآن، وتستمر الاحتجاجات، ولكنها هادئة، وطمأن الحوار المستثمرين، غير أن الجنيه انخفض، إلا أن هبوطه كان متواضعا. ولكن الهبوط قد يتركز على الشركات التي على صلة بالمؤسسة الحاكمة، وعلى الأرجح سيؤثر حجم الهبوط على مصير الجنيه.