لقد حان وقت الحساب الصارم العاجل لكل مقصر ومتهاون وفاسد تسبب في حدوث كارثة جدة وتكرارها مرة أخرى، هكذا أراد الملك الإنسان عبد الله بن عبد العزيز في أمره العاجل لمواساة أهالي جدة عما أصابهم جراء هطول الأمطار الغزيرة في الحاضر والماضي، وعلى كل مسؤول وموظف أن يعي كل أبعاد هذا الأمر الملكي البالغ الأهمية ويدرك أهمية توقيته وصرامة دلالاته وجدية معانيه. كل ما نكتبه أو نقرأه عن حال جدة، مع كل هطول للمطر عليها، لا يمكن أن يصف حال شوارعها ومنازلها وهلع سكانها من هول ما يحدث لها ولهم. وحدهم أهالي جدة يدركون تماما أنهم ضحايا التقصير والإهمال والفساد المتراكم من بعض مسؤولي وموظفي أمانة مدينتهم المتعاقبين عليها عبر عقود من الزمن. وحدهم أهالي جدة دفعوا ثمنا باهظا بأرواحهم وممتلكاتهم وأموالهم، عن أناس باعوا ضمائرهم وقبضوا مقابلها ثمنا بخسا، مهما ازدادت خانة الأصفار عن يمين الأرقام التي نهبوها طولا. مر عام وبضعة أشهر على فاجعة جدة الأولى التي احتجنا فيها للتضحية بأكثر من مائة نفس، ومئات المركبات والبنايات المنهارة، لنفتح ملفات محاسبة الفساد ونفتش في أروقة الأمانة وكتابات العدل وجهات أخرى عن الفاسدين لنقتص لجدة وأهلها منهم. قلنا لأنفسنا: «لن يهزمنا المطر مرة أخرى». وقلنا لأنفسنا: «سيذهب الفساد إلى غير رجعة». وقلنا لأنفسنا: «سنقف في وجه السيل إن عاد في المرة المقبلة، لقد عرفنا من أين يباغتنا، وسنكون له بالمرصاد». وقلنا لأنفسنا: «عندما يهطل المطر في المرة المقبلة، سنستمتع به كما يستمتع به سكان الولايات الفقيرة المعدمة في الهند وإندونيسيا ونيكاراجوا والهندوراس وفيتنام وتنزانيا وبنجلاديش وسريلانكا، وحتى ضواحي تمبكتو، فهم ليسوا أحسن منا حالا ولا أوفر منا مالا». وقلنا لأنفسنا: «لقد جففوا بحيرة المسك، وافتتحت الأمانة مزيدا من الأنفاق، وسترتعد فرائض المطر خوفا وهلعا من تصريحات مسؤولي الأمانة، وربما لن يهطل المطر على جدة الموسم المقبل من شدة الخوف منها». وبعد مرور عام وشهرين استل أمين جدة الدكتور هاني أبو راس سيفه، وصرح بمنتهي الشجاعة «أتمنى أن تهطل الأمطار الغزيرة على جدة، لتكسر حاجز الخوف النفسي لدى الناس!». كان واثقا، وكنا لا نزال خائفين، ولكنا ابتلعنا غصتنا من العام المنصرم وصلينا الاستسقاء ليهطل المطر. وهذه المرة بلغ التحدي ذروته، ولم يهطل المطر دفعة واحدة، ولم يباغتنا كما فعل العام الماضي، بل كان يرسل لنا رسائل تحذير بأنه قادم طيلة الأسابيع الماضية، ورفع وتيرة التحدي قبل ثمانية أيام، وتصريحات الأمانة وأمينها ترفع وتيرة التحدي وتتوعد بمواجهة تذكرنا بتحدي ناصر الجوهر ولاعبي منتخبنا بعد إقصاء بيسيرو في بطولة كأس أمم آسيا. وحانت لحظة المواجهة الأربعاء الماضي، ولقيت تصريحات أمين جدة في مواجهته مع المطر مصيرا أكثر فداحة مما لقيته تصريحات الجوهر وياسر ورفاقه. غرقت الأنفاق، حتى الذي لم يمض على افتتاحه 24 ساعة، تسربت بحيرة المسك، انهار سد أم الخير، جرت مياه المطر أنهارا في شوارع جدة، اقتلع الماء الاسفلت الوهمي الذي يحمل أرواحنا كل يوم، احتجزت الطالبات والمعلمات في المدارس من الثامنة صباحا وحتى غابت الشمس، 600 طالبة ومعلمة احتجزن من الثامنة صباحا وحتى المساء في جامعة الملك عبد العزيز، إلى أن أخلتهن طائرات الدفاع المدني. جاء المطر ولم يكسر حاجز الخوف النفسي لدى سكان جدة.. يا دكتور هاني! جاء المطر، يا دكتور هاني، ولكنه كسر نفوس سكان جدة، وأزهق أرواحا، ودمر وكسر، ولم يزدهم إلا حسرة على مدينتهم الغارقة في الوهم. هذا هو قدرك يا جدة، أن يعلو صراخك عاما بعد عام: أريد حلا! ويأبى الحل أن يأتي، لماذا؟ هل بات فساد الفاسدين، وإهمال المقصرين المتراكم على جسد عروس البحر الأحمر عصيا على العلاج؟! إذا كان عصيا، فعلى الأقل، كفوا عن التصريحات التي تخدرون بها أهالي جدة عندما يعود السحاب أدراجه، وقبل أن نصلي الاستسقاء لمطر قادم. وإذا كانت الأمانة عاجزة عن حماية جدة، فعلى الأقل، اعترفوا بالعجز، وامنحونا الفرصة للتعاقد مع فريق «كونسلتو» من أمانات «الولايات الفقيرة المعدمة في الهند وإندونيسيا ونيكاراجوا والهندوراس وفيتنام وتنزانيا وبنجلاديش وسريلانكا وضواحي تمبكتو»، لتواجه به جدة المطر كما يواجهونه هم، ولنستمتع به جميعا «ويا دار ما دخلك شر!» وراضين "كل واحد يصلح سيارته.. بس ارحمونا». [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية SMS إلى الرقم 88548 الاتصالات أو 626250 موبايلي أو 727701 زين تبدأ بالرمز 176 مسافة ثم الرسالة