هناك نكتة عربية تقول إن عربياً في نصف عمره توقف عند قارئة ل«البخت» والمستقبل لتقرأ له حظه، فقالت له: «اسمع أنت عشت نصف حياتك الأول فقيراً وبائساً، ففرح العربي الذي ظن أن هناك حدثاً جديداً يتعلق بالنصف الآخر من حياته، فانتشى، واستبشر خيراً، وملأ صدره بالهواء والأمل وهب من يأسه صائحاً: «هاه وبعدين»، فقالت: «حتاخد على كده». هذه النكتة تنطبق على جدة التي لم تنقضِ سنة على غرقها الماضي، والذي أسفر عن خسائر مادية وبشرية، وها نحن في الموسم التالي من الغرق، لا نلحظ فارقاً في جاهزية التصدي للغرق، بل جاهزية في تبرير الأخطاء وقدرة المسؤولين على التصدي للنقد، فهذا المدير العام للدفاع المدني الفريق سعد التويجري، والذي ظهر في مداخلة هاتفية في قناة الإخبارية، بدلاً من أن يقدم تقريراً عن خدمات جهازه، يدافع وينتقد الاتهامات، ويكيل المديح لجهازه في صورة «غير محمودة»، والتي ما زادت عن قوله إن ثماني طائرات أنقذت 400 شخص، بينما الأرقام تتحدث عن أن هيئة الهلال الأحمر في جدة تلقت وحدها من صباح يوم الأربعاء الساعة الثامنة إلى الثامنة مساء 2127 مكالمة لطلب الخدمة الإسعافية نقلت على إثرها 116 حالة ثماني عشرة منها حوادث مرورية متنوعة. والمستشفى الجامعي استقبل 1000 حالة، هذا عدا عن 1300 سيارة عالقة في شارع الحرمين، واحتجاز طلبة مدارس وجامعة وكلية، ومكاتب لصحف، وعمادة التسجيل والقبول لجامعة عبدالعزيز غرقت بأجهزتها ووثائق طلبتها، وأعداد أكبر وأضرار أكثر فداحة هنا وهناك. بعض المسؤولين الذين ما زادهم الغرق إلا تصلباً، أخذوا يستعيرون من لغة النقد التي تواجههم حلولاً لإنقاذ أنفسهم، فالأمطار التي تقام صلاة الاستسقاء لندرتها أصبحت في لغة بعض المسؤولين طوفاناً، وأمطاراً لم تمر على بلد من قبل، إنها الحكاية القديمة (الحق على المطر)!! في غرق السنة الماضية علقت المسؤولية على أخطاء في البنية القديمة للمدينة، والتي مرت عليها 30 عاماً، وفساد في أجهزة رسمية مثل أمانة البلدية وكتاب العدل، لكن الأنفاق التي افتتحت بالأمس غرقت في اليوم التالي!! إن وجه جدة التي غرقت، ونقلت صورها الحية، قنوات محلية مثل الإخبارية والعربية وروتانا، في مدينة رئيسية تحوي ثروات، وتحتل موقعاً استراتيجياً وملتقى حجيج، هو وجه مخجل، يجعل كل مواطن يشعر بالغضب، ولو كانت الحادثة هي الأولى من نوعها لقلنا مثلما قلنا في المرة الأولى من يحاسب مرتكبي الأخطاء والمتواطئين، لكننا بعد عام من الإعلان عن لجنة تقصي الحقائق، لا نملك إلا أن نقول: «مرت سنة، ما لك على البال طاري». يبدو أن اللصوص من كثرهم لم تنته اللجنة بعد من جمعهم من طرقات جدة، أو أنهم من شدة غموضهم لا يزال المحققون يدققون في أشباههم التي غيرت ملامحها عمليات تجميل فاسدة أخرى، وكل ما أخشاه على جدة التي قضت نصف عمرها غارقة بأنها، عوداً على النكتة العربية، «حتاخد على كِده». [email protected]