لم تعد لدينا حياة فيما تسمى بحياة «البادية» ولم يتواجد في صحرائنا القاحلة مضارب بيوت شعر ولا خيام ولا رعاة أغنام وإبل ولا بدو رحل في الفيافي المقفرة بحثا عن المراعي لأجل الماء والكلأ، في حياة بدو رحل، كانت حياتهم بدائية موغلة في القدم في مقاومة شظف العيش، تلك حالة انقرضت حينما كانت حياتهم مقصورة على الرزق الكفاف، مرجوة بتتبعهم تساقط المطر في موارده حيث منابت الشجر لاستدرار ضروع مواشيهم الكافلة لهم سبل المعيشة، في حياة صحراوية قاسية. إلى أن شحت مياه الأمطار واضمحلت الآبار ويبست الأرض وجفت المراعي ونضبت ضروع مواشيهم، فلم يعد بمقدورهم العيش في هذه الصحاري القاحلة، فهجروها واستبدلوا المكان والزمان!! فتأقلموا مع الحياة المدنية .. فبرزت معالم التحول في انتهاج المد الحضري الذي هو سمة عصرنا الحاضر المشرق، والذي لم يعد هناك داع (لمقولة) هذا حضري وهذا بدوي، فالكل أضحى حضريا، فالحضارة ليست مقصورة لهذا أو ذاك من الناس، ولم تعد صفة الحضري يظن بها وصمة كبرياء وغرور وسخرية، مثلما هي صفة البدوي ليست هي وصمة جهل وبلادة وتخلف. وإنه يؤلمني حقيقة حينما يتنامى لمسمعي بعض لغط بهاتين الصفتين وإن كانتا في أحيان كثيرة تأتي من باب المزاح ولكنه المزاح السمج الذي ينحدر لحد التنابذ إذا ما تطورت الحال في تباين وجهات نظر واختلاف آراء، فإنني أرى أنه من يتعاطى هذه الكلمة النابية أن يتجنب ما يؤلم به الآخر، وأن يتخلص من عادة سيئة تؤرث الكراهية والبغضاء، فتلك كلمة بغيضة ولم تعد مستساغة لزمننا الحاضر، فالكل اليوم سواسية لأنه من الشيء المعيب والخطير هو إذكاء أوار الفتنة وإيقاظ روح الطائفية البغيضة، وإلا ماذا يعني صفة حضري وبدوي؟ أليس حضري اليوم هو الذي أخذ من الحياة لب حضارتها وارتقى للمكانة السامية من المعاني الجميلة المدعومة بثقافته ونزاهته وحسن أخلاقه، مثلما هو بدوي الأمس هو حضري اليوم الذي تعامل مع الحياة بعلمه وعمله ونباهته، حينما صهرته الحضارة الجميلة الزاهرة وجعلته يتكيف مع معطيات الحياة الحديثة، إنها الحضارة النابضة بكل ما هو جديد ومتجدد.. أليس نحن مواطنين جمعتنا أواصر الحب والوئام وتقلنا الأرض المباركة بقيادة حكومة رشيدة، أليس نحن أصحاب المآثر الجميلة والنخوة والإباء والشيم، فحري بنا أن تأبى أنفسنا هذه المقولة الوضيعة، وأن تمنعنا شيمنا وعاداتنا الأصيلة من زائف القول والذي هو بمثابة الغول!! ألا نأخذ عبرة من أمجادنا الرائعة ممثلة في آبائنا وأجدادنا الذين تساموا بفطرتهم وأخلاقهم السمحة مؤتلفين ومتوالفين محبة وأخوة فلا هناك فرق بين هذا وذاك الكل إخوة، مثلما ليس هناك فرق بين مدينة وأخرى، وهاهو شاعرنا القصيبي رحمه الله، يقول: أجل نحن الحجاز ونحن نجد هنا مجد لنا وهناك مجد جعل الله أيامنا جميعا أيام محبة وتضافر وأمجاد!! [email protected] للتواصل إرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو زين 737701 تبدأ بالرمز 263 مسافة ثم الرسالة