يظل البعض سجينا بعد انتهاء فترة محكوميته في السجن، ويمتد أحيانا حبسه الاحتياطي إلى ما يجاوز المدة التي قررها النظام والتي تصل إلى ستة أشهر، فيما المتعارف عليه في فقه القانون أنه لا يجوز أصلا التوقيف أو الاحتجاز إلا بناء على حكم قضائي نهائي أو بموجب نص يجيز ذلك، كما يؤكد هذا المبدأ الدكتور عمر الخولي أستاذ القانون في جامعة الملك عبدالعزيز خلال مشاركته في هذه القضية، وبخلاف ذلك فإن الحريات مصانة بموجب أحكام الشريعة الإسلامية، وبناء على ما قرره النظام الأساسي للحكم في المملكة، إلا أن من الملاحظ من واقع التقاضي أمام المحاكم في المملكة، أن هناك عددا غير يسير من السجناء انتهت محكوميتهم لا يزالون رهن السجن لمدد تجاوزت المدد المحكوم بها عليهم. ويوما بعد يوم، فيما تزداد أوضاع هؤلاء سوءا طوال فترة انتظارهم في أروقة المحاكم أو خلف القضبان. تناقش هذه القضية تعثر تنفيذ الأحكام القضائية سواء بحق أفراد أو جهات بعينها، والأسباب الحقيقية التي تقف وراء ذلك، وتغيب البعض عن حضور الجلسات ومماطلتهم في ذلك، والإجراءات التي ستتخذ بحقهم وحرمانهم من بعض الخدمات الضرورية. «عكاظ» زارت بداية عددا من المحاكم للوقوف عن كثب على معاناة البعض من تأخير البت في قضاياهم. قضايا منتظرة قالت «أم محمد» من مكةالمكرمة إنها دائما ما تتلقى دعاوى كيدية من زوجها السابق، وقد استمرت معاناتها لثلاثة عشر عاما، وفي كل عام يزداد أمد التأجيل، فدرست أثناء ذلك كتب القانون حتى أصبحت تصنف من سيدات القانون ليس طلبا للعلم، بل لاكتساب المعرفة للمطالبة بحقوقها. وذكر أبو خالد البقمي من مكةالمكرمة أنه ظل يراجع على مدى خمسة أعوام دونما أمل يطمئنه على نصيبه من إرث أبيه، وعند حضوره تؤجل الجلسات من جلسة لأخرى، وفي بعض الأحيان يأتي القاضي متأخرا وأحيانا أخرى لا يأتي مطلقا ومع كل موعد جديد تبدأ معاناته على قائمة الانتظار. نقص أعداد القضاة وقال المواطن عبدالرحيم الجهني من جدة: المعاناة تتمثل في عدم تنفيذ الأحكام، ولكن الجانب الإيجابي في المسألة هو أن المحاكم في بعض المناطق بدأت منذ فترة في تعيين قضاة تنفيذ. وفيما يتعلق بإشكاليات تنفيذ الأحكام مع الجهات التنفيذية كالحقوق المدنية والتحفظ على الأرصدة بالتعاون مع مؤسسة النقد، أشار أن هناك احتياجا لأعداد أكبر من قضاة التنفيذ، وسرعة في الإجراءات، فإذا ما انتهى على سبيل المثال عقد إيجار المستأجر هذا العام، لا يستطيع المؤجر أن يخرجه من السكن إلا بعد ثلاث سنوات، وعندما يصدر الحكم يكون هناك تأخر في التنفيذ من قبل الحقوق المدنية. استياء في المدينة بداية يقول حمود الجهني والذي يعمل وكيلا لعدد من العائلات منذ 16 عاما في المدينة، أن أبرز المشكلات عدم تفاعل القضاة مع المشكلات التي يراجع من أجلها، واصفا التطور الذي يحدث في أروقة المجمع بأنه بطيء للغاية ويحتاج لدفعة أكبر من خلال ضخ عدد من القضاة في المجمع. ويصف الجهني بأن القضايا التي يرافع من أجلها تنقسم لقسمين قضايا حقوقية، وهذه تكون مراجعاتها سهلة وتتعلق بالقضايا اليومية ويجد تفاعلا من القضاة والقسم الثاني قضايا ورثة وهذه التي تتميز بالصعوبة وتطول مدة إنهاء إجراءاتها، وأن أطول معاملة ورثة تابعها امتدت لأربع سنوات. ونادى الجهني بضرورة فصل القضايا الحقوقية عن قضايا الورثة، نظرا لحاجتها لمكان واسع يتسع لذوي المتوفى من كبار السن والعجزة والسيدات حيث يضيق المكان في مكتب القاضي، مطالبا بمرونة أكبر في هذا الجانب. من جانبه قال مهدي علي وكيل والدته التي تمتلك أوقافا في المدينة، إلى أنه يراجع مجمع المحاكم منذ أربع سنوات لرغبته في إنهاء قضيته التي تتمثل في الحصول على تعويض عن أحد المشاريع الخاصة بالوقف في المنطقة المركزية. وأشار مهدي علي إلى أهمية جلب قضاة قادرين على فهم المنطقة وأهلها، حيث أنهم أدرى بكيفية التعامل ويعرفون طبيعتها وطبيعة المجتمع. بدوره يقول رامي عبدالعزيز الذي لديه قضية حقوقية، إن غياب المدعي عليه ساهم في تأخير قضيته للمرة الثالثة، والتي تتعلق بحقوق مالية وأن عدم الحزم في إحضار المدعى عليه ساهم في تأخير قضيته. وطالب رامي بأهمية البت في القضايا وتحميل المدعي عليه القضية في حالة تأخره وتهربه، مشيرا إلى أن خروجه من العمل المتكرر أزعج رئيسه مما يدعو إلى أهمية القضاء على البيروقراطية للمحافظة عليه. صدور الأحكام والتنفيذ طلال الجهني، كاتب صحائف دعوى أمام محكمة جدة، أشار إلى أن المدة الزمنية المناسبة لتنفيذ أي حكم قضائي بصورة نهائية، أن ينفذ مباشرة دون تأخير طالما هناك صك صادر فيه وقطعي، وقال «نحن بحاجة إلى تفعيل مثل الأنظمة التي تعجل بتنفيذ الأحكام»، مطالبا الجميع بتنفيذ جميع الأحكام الصادرة وإرجاع الحقوق لأهلها احتسابا للأجر. ومن واقع عمله ككاتب صحائف أمام محكمة جدة، يرى عمر المرواني أن عدد القضايا في ازدياد، مشيرا إلى أنه يستقبل في بعض الأيام ما يقارب المائة شكوى، منها قضايا ضد مماطلين وممتنعين عن تنفيذ الأحكام، مؤكدا أن هناك أحكاما كثيرة لا يتم تنفيذها، مقترحا إيجاد آليات أكثر فعالية في تطبيق الأحكام الصادرة من المحاكم ضد المماطلين في سداد الحقوق، كمنعهم من السفر ووقف نشاطهم التجاري أو التحفظ على حساباتهم البنكية، موضحا أن هذه الآليات معمول بها في الدول المجاورة وفي بعض دول العالم ومن الأولى أن تطبق لدينا. ويشير عبدالعزيز إبراهيم الغامدي موظف في جدة أن القضايا العمالية من القضايا المصيرية والهامة التي ينبغي على المسؤولين الالتفات لها، فالفترات الزمنية التي تفصل بين جلسات هيئة مكتب العمل في كل قضية لا تقل بحال من الأحوال عن سنة يتخللها جلسات تأجيل وغياب أو اعتذار عن الحضور، ما يطيل فترة التقاضي إلى سنوات، يعاني خلالها المتضرر وعائلته الأمرين ماديا ونفسيا، حتى أن المحامين يرفضون الترافع في القضايا العمالية لضآلة مردودها المادي. وذكر عمر مجبور الوادعي تاجر عقارات في جدة، أن عددا كبيرا من أصحاب الحقوق مازالوا يترددون على المحاكم لتحصيل حقوقهم، وأنهم يعانون من تباعد مواعيد النظر في القضايا والتي قد تستغرق سنوات، وأحيانا لا يحضر الخصم، فلا يصدر الحكم غيابيا، موضحا أن هذه الأموال المفقودة تؤثر في ثقة التاجر بالمتعاملين معه وتجعله خائفا من البيع الآجل رغم أن ذلك يساعد في تصريف المخزون حيث نلاحظ أن وكلاء السيارات وبعض التجار يقدمون إغراءات كبيرة للمشترين لتصريف مخزونهم من السيارات والسلع الأخرى، ثم يعانون بعد ذلك من تحصيل حقوقهم. لا يجوز الاحتجاز إلى ذلك يوضح الدكتور عمر الخولي أستاذ القانون في جامعة الملك عبدالعزيز بداية أنه لا يجوز أصلا احتجاز حرية أي إنسان، إلا بناء على حكم قضائي نهائي أو بموجب نص يجيز ذلك وبخلاف ذلك فإن الحريات مصانة بموجب أحكام الشريعة الإسلامية وبناء على ما قرره النظام الأساسي للحكم في المملكة، لافتا أنه ينبني على ذلك أن وجود أي شخص داخل السجن أو الأماكن المعدة للتوقيف ينبغي أن يكون مستندا إلى حكم قضائي نهائي أو أن يتم وقفه «حبسه احتياطيا» على ذمة التحقيق في إحدى القضايا التي ورد النص على جواز التوقيف فيها، وهي ما يعرف ب«الجرائم الكبرى». وهي تلك التي ورد عليها النص في قرار رقم 1900. وأضاف الخولي: من ذلك يتبين أن وجود الشخص في أحد السجون أو دور التوقيف خارج الإطار المشار إليه، يعد سلبا لحريته واحتجازا لا يستند إلى أي مصدر من مصادر المشروعية، ويتخذ ذلك مظهرا إما أن يظل الإنسان سجينا بعد انتهاء الفترة المحكوم عليه بها بالسجن، أو أن يظل موقوفا رغم عدم ارتكابه أي من الجرائم الكبرى، أو ارتكابه لإحدها ولكن يظل موقوفا دون وجود أمر بذلك من صاحب الصلاحية أو وجود الأمر ولكن يمتد أجل حبسه الاحتياطي إلى ما يجاوز المدة التي قررها النظام، وهي مدة طويلة في الأصل تصل إلى ستة أشهر، مشيرا أن هناك عددا غير يسير من المواطنين والمقيمين انتهت المدد المحكوم عليهم بها بالسجن ومع ذلك لا يزالون رهن السجن لمدد تجاوزت المدد المحكوم بها عليهم، كما أن هناك عددا من الموقوفين احتياطيا وقد انقضى عام أو اثنان أو أكثر لم تتم إحالتهم إلى المحكمة حتى الآن، منوها بأن فقدان الإنسان لحريته دونما سند من النظام، أمر مؤلم إلى حد بعيد لا ينبغي وجوده بأي درجة أو على أي مستوى، فالحريات مصانة في دساتير كافة الدول وعدد غير يسير من المعاهدات والمواثيق والاتفاقيات الدولية. تعطيل الأحكام وتأخيرها وقال المحامي والمستشار القانوني محمد القرني المحكم المعتمد في وزارة العدل أن الخلل يتمثل غالبا في عدم إلمام موظفي التنفيذ بالأنظمة والتعليمات الخاصة بالتنفيذ ما يجعلهم يجتهدون، فبعضهم قد يعارض اجتهاده صريح النظام، وقد يفسرها البعض الآخر على غير الوجه الصحيح، وهذا يعطل التنفيذ أو يؤخره أو يحمل المعاملة إجراءات ومخاطبات لا داعي لها، كل ذلك بسبب عدم التأهيل المطلوب لمن يباشر التنفيذ، إلا أن الأنظمة لم تغفل وقوع أي من هذه الأفعال عمدا، فقد اعتبرت وقوعها بسوء نية لسوء الاستعمال الإداري للأنظمة والتعليمات، ومعاقب بها بالمرسوم الملكي، وتختص هيئة الرقابة والتحقيق بالتحقيق في ذلك، مشددا على ضرورة تفعيل دور الهيئة بشكل أكبر. أما فيما يتعلق بالتأخير بإطلاق موقوفي الحق الخاص، فيوضح إن المادة 39 من نظام الإجراءات الجزائية، قد أشارت إلى أنه لكل من علم بوجود موقوف بصورة غير نظامية، فإن له التقدم لهيئة التحقيق والادعاء العام بطلب إطلاقه، وحقيقة نشكر هيئة التحقيق لتعاملها حيث أنه بمجرد التظلم لها، فإنها تندب على الفور أحد المحققين لدراسة وضع الموقوف، كما أن هيئة حقوق الإنسان في جدة تشارك من خلال التعامل معها، بمجرد وصول بلاغ بوجود موقوف، فإنها ترسل أحد أعضائها لدراسة وضع الموقوف، ومن ثم تخاطب الجهات المختصة فورا، وفي حالة عدم تجاوبها فإنها ترفع إلى الجهات العليا. القضايا العمالية وأكد الرئيس المساعد في المحكمة العامة في مكةالمكرمة صالح الطوالة أن تأخير البت في القضية بعد بيان الحق وظهوره، أمر لا يرتضيه القضاة لما هو معلوم لديهم أن تأخير البت والحكم في القضية بعد ظهور الحق أمر لا يجوز، فمتى ما ظهر الحق، وجب إصدار الحكم وإيقاعه لرفع الظلم عن المظلوم وردع الظالم عن ظلمه، ولكن قد توجد عوامل أخرى تتسبب في تأخير إصدار الحكم كالحاجة لمخاطبة جهات أخرى مثل الجهات الهندسية التي تدخل في قضايا المعمار والعقار، والجهات المحاسبية في القضايا المالية، مشيرا أن التأخير في بعض الأحيان قد يكون بسبب مماطلة الخصم وعدم تجاوبه، خصوصا في عدم وجود ما يثبت إدانته من مستندات وأوراق، وفي هذه الحالة يكون إصدار الحكم متوقفا على حضور الخصم مثل التركات التي يطالب فيها أحد الورثة بنصيبه وخصمه مستحوذ على جميع الصكوك والمستندات فلا يستطيع القاضي البت في القضية، إلا بعد الاطلاع على الصكوك ودراسة الأوراق كاملة وفي أحيان أخرى تعطى بعض عناوين الخصوم بالخطأ فيكون ذلك عائقا دون إصدار الحكم، فضلا عن النقص في عدد القضاة الذين تحال إليهم قضايا كثيرة خصوصا في محاكم المدن. نقص القضاة وقال المحامي سعود بن عواد الحجيلي عضو اتحاد المحامين العربي أن وزير العدل محمد العيسى قد أكد في محاضرة نظمت مؤخرا في الجامعة الإسلامية أنهم في الوزارة لا يشكون من قلة القضاة، بل أن بعض القضايا يخرج عن إرادة القضاة وبعضها تأخذ سنوات طويلة من أجل حلها، لافتا أن التوسع في تعيين القضاة يجب أن يكون من جميع مناطق المملكة. من جانبه نفى مصدر في المحكمة الشرعية في المدينةالمنورة أن يكون قلة القضاة هو السبب في تأخير المعاملات أو القضايا، وأن أسباب تأخر القضايا أحيانا يكون من طرف المدعي أو المدعى عليه، أو أن القضية تتطلب المزيد من النظر، وبعضها يتعلق بدوائر أخرى خارج المحكمة.