يحرص الكثير من الفنانين سنويا على تقديم أعمال وطنية تمتلئ بها المكتبة التلفزيونية، حيث يبلغ متوسط ما يقدمه الفنان السعودي من أعمال خاصة بالوطن عشر أغنيات سنويا تبلغ تكلفتها 1.5 مليون ريال، ما بين أجور تنفيذ وتنقلات وأجور ملحنين وفنانين، يضاف إليها حشد من الأوبريت السنوية التي تنتج لعدد من المناطق المختلفة، وتصل لقرابة خمسة أوبريتات تكلفتها قرابة خمسة ملايين ريال، إلى جانب تكلفة إخراجية أخرى. أمام هذه الأرقام نجد أننا نقف على قرابة 30 مليون ريال سنويا تصرف لتقديم أعمال وطنية لا ترى النور، إلا على استحياء لمرة واحدة وتتوارى سريعا بين ركام غبار المكتبات، فيما يستعان بأعمال وطنية قديمة مثل (فوق هام السحب)، و(وطني الحبيب)، و(بلادي منار الهدى)، و(سعوديين دستورنا شرع الله)، و(الله البادي). ولعل السبب الرئيس في تلك أن الأعمال القديمة لم تكن وليدة اللحظة، ولم يضع فريق عملها في حسبانهم عامل السرعة والوقت، بقدر ما كانت القيمة هي الهاجس الأول لهم لتكون ضمن ذاكرة الملتقي باستمرار، أما الأعمال التي تقدم على مدار العام، فإن الهدف المادي هو المسيطر على الطروحات، فالفنان يحرص في المقام الأول على المردود المالي الذي سيحققه من وراء غناء الأغنية الوطنية، وهو أمر مؤسف للغاية، فليس هذا أو ذاك أية نظرة واعية لأهمية أن تكون هناك أغنية وطنية ذات قيمة، فيما لا يلتفت إطلاقا إلى كيفية إعداد العمل وأهمية النص وجمالية اللحن والأسلوب المقدم في التنفيذ الموسيقي، أصبح كل ما يهم الفنان كم هو أجري الذي سأتقاضاه نظير تقديمي هذا العمل، ويكفي مجرد اتصال من ملحن عن وجود عمل جديد، ليذهب الفنان إلى الاستديو ويسمع اللحن وأمامه النص ليدخل صوته، ويغادر بظرف مليء بآلاف الريالات وتغادر من ذهنه الأغنية دون رجعة. ويؤكد الملحن سراج عمر على أن هناك الكثير من الأغنيات التي قدمت في مناسبات عدة، منها مئوية المملكة، وأغان وأناشيد أخرى تقدم سنويا في اليوم الوطني للوطن، كل هذه الأعمال هي رصيد ضخم تزخر به المكتبة التلفزيونية والإذاعية، وتقدم في تلك المناسبات. ويضيف سراج عمر بقوله: مثل هذه الأعمال تحتاج لأخذ فرصتها أكثر لدى المشاهد والمستمع، وذلك عبر إعطائها مساحات جيدة من البث ليتعرف على ما تحمله من أفكار شعرية ولحنية وأداء، أما مسألة بثها مرة واحدة فإنها لا تكفي. ويشير الملحن محمد المغيص أنه من الأهمية بمكان أن تعطى الأعمال الوطنية وقتا كافيا في العرض التلفزيوني والإذاعي حتى تحقق أهدافها، فالعمل الوطني هو أهم الأعمال التي يسعى الملحن أن يعمل عليها باستمرار سواء كانت هناك مناسبة أم مجرد إحساس بواجبنا تجاه وطننا، ولو ذهبنا للمكتبة التلفزيونية لوجدناها تتكدس بالأغنيات الوطنية لكل الأصوات السعودية، وهي مجهودات ضخمة حرص الجميع على العمل على تنفيذها بأفضل الوسائل بعد الجهد الأول والمتمثل في تلحينها، ومن ثم تقدم مرة وتنسى، ويضيف المغيص أنه ربما يكون هذا الكم سببا في حالة من التوهان بين الأعمال التي يتم عرضها باستمرار أو تلك التي تعرض مرة وتنسى. ويشير إلى أنه يجب أن يأخذ النشيد الوطني فرصته جيدا، وأن تكون هناك خطط وجدولة ترسم آليات لبث هذا الرصيد الوطني الحافل. وينوه الفنان عبدالله رشاد بأهمية أن يعاد النظر في تلك الأعمال المكدسة في المكتبات التلفزيونية وتقديمها باستمرار للمشاهد، كما أنها حافز للفنان للاستمرار في تقديم الأعمال الوطنية بين الحين والآخر. ويضيف رشاد أن الفنان لا يتردد أبدا في مشاركة الوطن في احتفالاته والغناء له دائما، ولكن يجب أن يشعر أن هناك جدوى بعرض هذه الأعمال التي بذل فيها الكثير من المجهودات قبل أن يتم تسليمها.