اللهم اجعل مكان اللوعة سلوه، وجزاء الحزن صبرا، وعند الخوف أمنا، اللهم أبرد لاعج القلب بثلج اليقين، وأطفئ جمر الأرواح بماء الإيمان. (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها) صدق الله العظيم. تتأجج العواطف، وتعصف المشاعر عند المصيبة الداهمة، وليس أمام العبد الضعيف أمام ربه إلا الصبر والسلوان. جف القلم، رفعت الصحف، قضي الأمر، وليس أمامنا نحن المفجوعين بهول الصدمة إلا أن نحتسبه عند الله، ونظل نتلمس أعماله النبيلة تخليدا لذكراه. رحم الله فقيد الوطن والأمة الإسلامية الدكتور محمد عبده يماني بعد عمر عامر بالإيمان والإنجاز وفعل الخير، وإذا ما تطرق الفكر إلى مسيرة العظماء، وقد كان الفقيد واحدا منهم، فإن القلم يعجز لما في تلك السيرة العطرة من مواقف ومنعطفات إنسانية ووطنية، فمن أين يمكن لراصد أن يبدأ، ومن أين يمكنه أن ينتهي. تلك حياة زاخرة بالإعجاب، مليئة بالفضائل والحسنات، مرصعة بالأوسمة والدروع، مضمخة بحب الناس وفاء وإخلاصا وعملا. لقد شغل الراحل الدكتور محمد عبده يماني الكثير من المواقع الرفيعة، لكنه ظل مع ذلك متواضعا حانيا رحيما ودودا، كما كان له الفضل بعد الله في تأسيس الكثير من الجمعيات الخيرية التي تشد من أزر المحتاجين، وأخرى خدمت تلك الشرائح، وعلى رأسها جمعية أصدقاء القلب التي ظلت تشفي الموجوعين المعوزين دون مقابل، حيث أعادت الأمل إلى الكثير من مرضى القلب غير القادرين على تحمل نفقات تلك العمليات الدقيقة المكلفة والخاصة بالقلب المفتوح. وفي المجال الفكري والأدبي والثقافي، حظيت المكتبات العربية والأجنبية بأكثر من خمسة وثلاثين مؤلفا مطبوعا بأكثر من لغة، في شتى المجالات الحياتية والاقتصادية والسياسية والفكرية والدينية، ولا يمكن للمتابع أن ينسى قناة اقرأ، وهي أول قناة دينية ثقافية رائدة كانت لبنتها الأساسية منبثقة من بنات أفكار الراحل، وقد تابعها الناس بشغف، وما زالوا على عهدهم ماضين. وعلى الجانب الخيري، فقد كانت يده ممدودة للداني والقاصي دون تفريق بين جنس وآخر، فشملت الدول الفقيرة والنامية في مجال التعليم والمياه والصحة، من خلال عمله كنائب لرئيس مجموعة دلة البركة التي بقي فيها حتى رحيله، وقد أعطى الفقيد الكثير من وقته وجهده وعرقه وماله لإسعاد واستقرار الآخرين. ويكفي أن فقيدنا قد ولد في مكةالمكرمة، وتلقى تعليمه الأولي في رحاب الحرم المكي الشريف، مما جعله يحسن الأعمال الاجتماعية والخيرية، بارا بوالديه، وفيا مخلصا لله ثم للمليك ولوطنه وللناس أجمعين. رحم الله فقيد الأمة الإسلامية، وغفر له، وألهمنا وأهله وذويه الصبر والسلوان، وجعل سيرته النقية في سجل أعماله الناصع. ولا يسعني في هذه العجالة إلا أن أعزي أهل وأبناء الفقيد ولسان حالي يقول: يا غائبا في الثرى تبلى محاسنه الله يوليك غفرانا وإحسانا إن كنت جرعت كأس الموت واحدة في كل يوم أذوق الموت ألوانا «إنا لله وإنا إليه راجعون»