لازال عشرات الآلاف من ملاك الأراضي شرقي جدة يتذكرون موقف رئيس هيئة المساحة الجيولوجية السعودية الدكتور زهير نواب، عندما رفض مطلع العام الحالي توجه الأمانة لتطبيق فكرة نزع ملكيات أراض على مجاري السيول والأودية، وطالب حينها بإنشاء سدود احترازية في أودية شرق جدة لتخفيف العبء المالي على الدولة جراء نزع الملكيات ومن أجل راحة ملاك المنازل الذين لن يضطروا إلى البحث عن منازل جديدة. تلك الفكرة التي قررت العمل بها الأمانة والبدء بتنفيذ ثلاثة سدود، يرى الدكتور نواب أنها بداية جيدة لإعادة تخطيط المدينة، لكنه يؤكد في نفس الوقت أن جدة تحتاج إلى تسعة سدود أخرى لحماية باقي أحيائها من مخاطر السيول، ويحذر في نفس الوقت من وقوع جامعة ثول وفرع جامعة الملك عبدالعزيز الشمالي والاستاد الرياضي الجديد تحت خطر السيول. يحل رئيس هيئة المساحة الجيولوجية السعودية ضيفا على «عكاظ» في ختام حلقات «عام على كارثة جدة». ويشرح في حوار خاص مخاطر السيول التي تحيط بجدة وكيفية التعامل معها، ويعرج على أهمية تعليم المواطنين ثقافة الكوارث حتى يتعاونوا في حال وقوعها على تنفيذ الخطط والاستراتيجيات التي من شأنها تقليص الخسائر البشرية والمالية.. فإلى الحوار: • أعلنت أمانة جدة بدء تنفيذ ثلاثة سدود جديدة شرق المدينة، وفقا للدراسة المقدمة من قبلكم، هل نفذت الأمانة كل الأفكار التي وضعتها الدراسة ؟ هيئة المساحة الجيولوجية السعودية نفذت لأمانة جدة دراستين مدفوعتي الأجر، بناء على موافقة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكةالمكرمة على إحدى الدراسات التي قمنا بها لوحدنا، والأخرى بالتعاون مع جامعة الملك عبدالعزيز، وجميعها كانت على أسس جيولوجية وهندسية وهيدروجيولوجية لشرق جدة، واستعنا خلالها بجهات عالمية متخصصة في مواصفات بناء السدود وسلمناها لصاحب الدراسة مشتملة على توصيات ومقترحات بإنشاء السدود الثلاثة، ووفق إعلان الأمانة فإنها استفادت منها استفادة قصوى وأخذت ما ورد فيها من ملاحظات تصب في خدمة هذه المنطقة من شرق جدة في أودية غليل وقوس ومثوب وبدأت بإنشاء السدود. • ما هي الجهات العالمية التي شاركت معكم في الدراستين؟ شركة استشارية هندسية متخصصة في الدراسات الهندسية لبناء السدود لأن هذا الجزء ليس من تخصصنا واستعنا بها للوصول إلى دراسة متكاملة ووافية من مختلف الجوانب. • وهل قدمت حلولا أخرى للأودية الثلاثة غير السدود ؟ لم نقدم سوى دراسة السدود لقناعتنا بأنها الحل الأمثل، وهنالك حلول أخرى طرحت من جهات مختلفة تتمثل في نزع الملكيات من جميع الأراضي الواقعة على مجاري الأودية وبطونها، ونحن في الهيئة لا نشاطرهم هذا الرأي لأنه أكثر كلفة على الدولة وغير مرض لملاك الأراضي لارتفاع سعر العقار وعدم قدرة مبالغ التعويض على تحقيق ما يحتاجه المواطن. • خصصت الدراسة لثلاثة أودية فقط ولكن ماذا عن باقي الأودية التسعة في جدة، وخصوصا أكبرها وادي العسلاء ؟ هناك لجنة وزارية برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز النائب الثاني تدرس ذلك، ونتوقع أن تحدد الحلول المناسبة لباقي الأودية ولديهم لجنة نشطة تجتمع بشكل متواصل وإنشاء الله نسمع قرارات تهم المواطنين قريبا. • ماذا عن وجهة نظركم الجيولوجية لباقي الأودية التسعة ؟ الحل الأمثل من وجهة النظر العلمية بناء سدود احترازية ليست كتلك المخصصة لمياه الأنهار ولكن مثل تلك الموجودة في عدد من دول العالم، وهي غير مكلفة مقارنة بالحلول الأخرى، ويمكن إضافة مشروع آخر اسمه حصاد المياه من خلال نقل المياه المتجمعة خلف السد إلى 10 كلم باتجاه الشرق في اتجاه واديي عسفان وفاطمة المليئين بالمزارع والآبار ويحتاجان المياه بدلا من فقدانها وهدرها في البحر.. • ماذا عن الأحياء الجديدة في شمال جدة والمخاطر التي قد تحيق بها جراء السيول ؟ في الحقيقة هنالك عدد من المواقع والمشاريع المهمة في شمال جدة تقع في أودية لو جاءتها سيول ضخمة قد تضر بها ولعل أهم تلك المشاريع فرع جامعة الملك عبدالعزيز شمال جدة والموقع الجديد لمدينة الملك عبدالله الرياضية وجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية في ثول حيث تصب فيها الأودية، ويجب أن نستبق الأحداث ونعمل على حمايتها من خلال وضع الحلول الكافية لدرء مخاطر السيول عنها. • وهل لدى هيئة المساحة الجيولوجية القدرة على عمل دراسات لتلك المناطق ؟ صدقني إني أحذر من تلك المخاطر بهدف استباق الأحداث وليس بأي دافع آخر، والهيئة لديها كوادر استثمرتها الدولة قادرة على القيام بالدراسات من خلال الإمكانيات الموجودة فيها وتستطيع تنفيذ دراسات تلك المناطق. • أعلن الأمير خالد الفيصل عن مشروع لتطوير شرق جدة، هل من خطورة من تمدد جدة للشرق؟ أمير منطقة مكة تحدث عن مخطط شرق جدة وتطويره بما يضاهي ويزيد عن غرب جدة وقد يكون جوهرة جديدة في جدة ولكنها تحتاج إلى صبر فقط، وبالنسبة للتمدد فهو أمر حتمي ويمكن درء المخاطر من خلال دراسة نوعيتها ووضع الحلول لها. • هذا يعني أن لا خطورة على مخطط شرق جدة من الأودية والسيول؟ توسع المدن شيء حتمي، وجدة كانت قبل 50 عاما على مساحة لا تتجاوز الكيلو متر المربع وكان شارع فلسطين خارج المدينة وعدد السكان لا يتجاوز 100 ألف، أما الآن فالسكان لا يقلون عن ثلاثة ملايين ولا بد للسكان أن يسكنوا من خلال مخططات منظمة ولو في الأودية بشرط أن يتم حمايتها من السيول والمخاطر ولعل تجربة هولندا تعطي دليلا لذلك فقد قامت بتجفيف البحر وتحويله إلى مخططات سكنية. • بما أنك تحدثت عن تخطيط جدة، هل ترى أنه كان سيئا من البداية خصوصا أنها واقعة بين الجبال العالية شرقا والبحر غربا ؟ أنا لا أميل لهذا الرأي فموقع جدة جغرافيا جميل، ولكن لم يؤخذ بالاعتبار المخاطر عند وقوعها، ولعل ما يميز موقع جدة أيضا أن الجبال ليست في حلق البحر فهي تبعد 20 كلم إلى 30 كلم عن البحر شرقا، أما التمدد من الشمال للجنوب فهذا بسبب طبيعة جدة وهو شيء غير سيء. • لو عدنا بالذاكرة إلى سيول جدة العام الماضي، هل بالفعل أن الأمطار الغزيرة جدا لا تتكرر إلا كل نصف قرن مثلما تحدث بعض الخبراء ؟ من الناحية العلمية السيول لها فترات تكرارية ولها أحجام مختلفة وهناك سيول تتكرر كل عام وهي بسيطة وليست مزعجة، والمملكة وأغلب دول العالم اعتادت عليها وهناك سيول تكرارية كل ثلاثين أو خمسين عاما، وأخرى كل مائة عام وتأتي بكميات ضخمة وتتحول إلى كوارث غير متوقعة، وذلك مثل ما نشاهده من فيضانات وفي دول متقدمة، كإعصار كاترينا في أمريكا وفي فرنسا العام الماضي اللذين أغرقا العشرات، ومهما عملت في البنية التحتية إلا أن هناك قدرة إلهية لا يمكن مقاومتها، وكمية الأمطار التي هطلت العام الماضي تفاوتت القراءات حول كمياتها ما بين 200 ملم و 180 ملم، وهطلت في أربع ساعات، واختلاف التقديرات يعود لعدم وجود أجهزة قياس متوزعة، فلا يوجد لدينا إلا في المطار فقط والأمطار التي هطلت هنالك تقل بنسبة كبيرة عن التي هطلت على واديي العسلاء وقوس، وأمانة جدة مثلما علمت حصلت على نتائج من المراصد في اليابان أكدت أن الأمطار بلغت نسبتها 180 ملم وهي ما يعادل نصيب جدة من الأمطار لفترة العامين أحيانا، وبما أنك عدت لتلك الفترة ومن صحيفتكم أطالب المواطنين بضرورة التزام منازلهم خلال هطول الأمطار فكثير من المواطنين آنذاك خرجوا للتنزه بعد المطر مباشرة وداهمتهم السيول وجرفت السيارات، ولو انتظروا لما زادت نسبة المتوفين. • بما أننا نتحدث عن تلك الأيام، هل نجا أهل جدة فعلا من كارثة محققة في وادي العسلاء أكبر الأودية بعد أن كادت تنهار بحيرة المسك؟ وادي العسلاء أكبر واد يصب في جدة، وتقع في أعلاه بحيرة الصرف الصحي التي تم تجفيفها والتخلص منها في زمن قياسي عبر وزارة المياه والكهرباء، وعند هطول الأمطار العام الماضي كانت المياه المتجمعة في الوادي خلف السد ضخمة جدا وتصل إلى ثلاثة أضعاف السيول التي داهمت قويزة، ولولا الله ثم وجود السدود الترابية والسد الاحترازي وقيام المسؤولين هنالك بخطط عاجلة وإلا لكانت كارثة أكبر من كارثة قويزة وقد يصل الضرر إلى شارع حراء وشارع التحلية. • فيما يتعلق ببحيرة الصرف الصحي، هل لديكم دراسات عن كميات المياه المهولة التي تسربت منها إلى داخل الأرض؟ نحن لم نعمل دراسة معمقة للبحيرة، غير أن هناك تأكيدا بأن منسوب المياه ارتفع كثيرا جدا في جدة وأصبح في وضع كارثي، لأن الصرف الصحي اليوم غير قبل 60 سنة فالمكونات فيها الكثير من المواد الكيميائية الصعبة التي تهاجم التربة والحديد والأساسات وتؤثر على العمر الزمني للمباني، وكان كثير منها سابقا يتسرب إلى البحر بسبب الطبيعة الجغرافية ولكن الآن أصبح تسربه ضعيفا إلى البحر.. • وما سبب عدم تسرب المياه الجوفية للبحر رغم الميول الطبيعي؟ لعل السبب يعود لمدة ماضية عند إنشاء طريق المدينة الموجود في قلب جدة، حيث تم تأسيسه بشكل صلب في باطن الأرض من خلال الدك ووضع الدبش في الأساس، وهو ما أوجد سدا غير مقصود ساهم في تقليل انسياب المياه من شرق جدة للبحر، وهذا جعل المياه تتراكم شرق الطريق، وبعده بسنوات جاء طريق الكورنيش الحالي الذي تم دكه بشكل قوي وأصبح سدا آخر للمياه الجوفية وهو ما رفع نسبة المياه الجوفية أيضا في غرب جدة. • وهل من حل عاجل ؟ الحل يتمثل في الانتهاء من شبكة الصرف الصحي التي ستبدأ قريبا بإذن الله، وستساهم في تخفيف تلك المياه الجوفية، وبهذه المناسبة أضم صوتي لصوت الوزير الذي يطالب بعدم توصيل المنازل للشبكة الفرعية لعدم اكتمالها. • وما هي تأثيراتها على المباني في جدة ؟ نسبة المياه الجوفية المرتفعة تساهم في تقليل العمر الزمني للمبنى، لأن المبنى له عمر افتراضي بناء على نوعية الخرسانة والحديد والتربة وإذا استجدت ظروف أخرى وتغير الوضع البيئي في المنطقة قد يقل العمر الزمني للنصف حسب قوة مهاجمة المواد الكيميائية في الصرف الصحي على البناء.. • بعد التجربتين اللتين خاضتهما الهيئة في زلازل العيص وسيول جدة، ما رأيك في تطبيق خطة الطوارئ مع الجهات الأخرى ؟ من وجهة نظري تكمن المشكلة الكبرى في افتقاد الناس إلى ثقافة التعامل مع الكوارث، ولو عدنا بالذاكرة إلى الوراء سنتذكر أن بركانالمدينة عمره يزيد على 30 مليون عام والإنسان دخيل على هذه المواقع وجاء واستوطنها دون أن يتوقع مخاطرها، ولكن ذاكرتنا قصيرة فكتب السيرة تتحدث بأن بركانالمدينة انفجر قبل 760 عاما وهو على بعد 20 كلم عنها، وهو ما سبب الرعب لساكنيها بسبب ضخامته واستمر البركان يقذف الحمم 30 يوما، وتسير في الوديان أنهار من النيران، وبعد عدة سنوات عاد الناس للسكن بقربه، ولكن في عمر الزمن الجيولوجي فكأن هذا البركان انفجر البارحة. • وهل تخشون من عودته لقذف الحمم البركانية مرة أخرى ؟ علمه عند الله، ولكن ذلك وارد ويجب أن نتوقع حدوثه، ولذلك يجب الالتزام بكل الخطط الكفيلة بدرء خطره.