عبر عبد الله سندي مدير مكتب الراحل، عن حزنه لوفاة المفكر والإنسان محمد عبده يماني، موضحا «أن الفقيد كان يعامل الجميع في مكتبه كأصدقاء وإخوة». وأضاف سندي «تعلمت من الراحل كثيرا، فهو مدرسة إدارية ناجحة، وكل ما يهمه في موظفيه الدوام والالتزام وخدمة المراجعين، ولا أخفي أن قلت أن يماني كان يبذل جهدا فوق طاقته، وحريصا على إنجاز كل المعاملات وعدم التأجيل إلى اليوم التالي، فكان قلمه الأخضر لا يرتاح و لا يفارق يديه، فجميع معاملاته وكتاباته وتوقيعاته مدونة باللون الأخضر، ورغم سنه الذي تجاوز العقد السابع إلا أنه كان يتعامل مع الجميع بروح الشباب، وبعض الأحيان يعقد في اليوم أكثر من سبعة اجتماعات موزعة على فترات العمل مع الخروج بتوصيات وقرارات يتابعها ويستفسر عنها بكل دقة». وزاد سندي قائلا: «في بعض الأيام أجده يذهب إلى تقديم التعازي لأربع أسر في وقت واحد دون ملل أو تعب، وكان يلبي كل المناسبات والدعوات الموجهة له». سندي أكد أن الفقيد كرس كل حياته في خدمة حوائج الناس، وكثيرا ما كان يتجاهل نصائحنا ونصائح أبنائه وأسرته وأصدقائه وأطبائه في الاهتمام بصحته إلا أنه يردنا بمقولة «أنا بخير». مدير عام جمعية الإيمان لرعاية مرضى السرطان فهد السليماني، لفت إلى أن الراحل كان يحرص على تلبية كل المناسبات والمؤتمرات والندوات، وأكثر حضورا في تقديم واجب العزاء، وقال: «أتذكر أنه في إحدى المرات كان في الخارج وجاء إلى المملكة لتقديم واجب العزاء وغادر مرة أخرى إلى وجهته في اليوم التالي متحملا مشقة السفر والترحال». وعن المواقف المؤثرة يتذكر السليماني : عندما زار يماني السودان لتأسيس مدرسة لتحفيظ القرآن تقدم أحد العاملين واسمه أبوعبد الكريم إليه شاكيا من ظروف صعبة والتزامات مادية وطلب من يماني علاجه في المملكة، فما كان من الراحل إلا أن رتب له كل الإجراءات، وتم علاجه في المملكة وعاد إلى وطنه وهو في قمة السعادة متضرعا إلى الله أن يجعل بادرته في موازين حسناته، واستمرت العلاقة بينهما إلى يومنا هذا، وكثيرا ما طلب مني يماني أن اطمئن على صحة أبوعبد الكريم. ويستطرد السليماني «رافقته كثيرا في سفرياته، ورغم معاناته من مرض السكر والضغط إلا أنه يعمل فوق طاقته وعلى حساب صحته، مستشهدا بترديده «أنا بخير»، فحرصه على العمل وتلبية الدعوات وحضور المناسبات أنساه الراحة، فرحم الله الفقيد وأسكنه الجنة». جملة من التركيبات العلمية والإنسانية محمد عبده يماني صاحب أكاديمية يرعى تحت مظلتها شرائح مختلفة من المجتمع، حيث كان قدوتهم وحكيمهم الذي تؤول إليه كثير من المشكلات لديهم، كما كان من الناحية الأكاديمية علما لا يشق له غبار في الوقوف مع ابنائها الباحثين وأرشادهم إلى التوجه السليم لتحقيق أهدافها، إضافة إلى علمه الوافر الذي كان يغذي به الاكاديميين من خلال الأمسيات واللقاءات الأكاديمية والمحاضرات الجامعية. تفقد الكلمات قدرة التعبير عن الحزن في رحيل الدكتور محمد عبده يماني إلى الرفيق الأعلى، فالراحل كان محورا مهما وعلما من أعلام مكةالمكرمة، الذين يعرف عنهم التفاني في خدمة الإسلام والمسلمين والوطن وكان صاحب يد بيضاء في تقديم الكثير من الخدمات خاصة لذي الحاجة في السر، مبتغيا من وراء ذلك وجه الله ورضائه. ما يختزنه الدكتور محمد عبده يماني من تراث أكاديمي وعلمي سيكون حجر الزاوية في انطلاق مجموعة من الأبحاث والدراسات العلمية والإنسانية التي ستضيء مسالك العديد من الباحثين والمهتمين والدراسين في جامعات المملكة، ولعل ذلك يجعلني أطالب تلاميذ الدكتور محمد، أن يقدموا كرسيا علميا من خلال جامعة أم القرى ليفيد في نتائجه وتوصياته بعد الانتهاء من دراساته للمجتمع المكي. كما اتمنى من تلاميذه جمع كل ما يتعلق بحياة الراحل ووضعه في كتاب علمي لتكون دروسا للأجيال المقبلة. الدكتور محمد عبده يماني يعتبر جملة من التركيبات الراقية ذات البعد الحميد، فهو العالم والمربي والمثقف والأديب والمفكر وعلى المستوى الإنساني هو نعم الصديق والأخ الرفيق والناصح الأمين. د. بكري بن معتوق عساس مدير جامعة أم القرى رمزية المثقف هو خسارة كبيرة جدا بالمعنى الرمزي للخسارة؛ لأنه كان يمثل رمزيات عديدة: رمزية المثقف المؤمن الطاهرة، ورمزية الأخ الذي هو أخ للجميع، للصغير مثل الكبير، والبعيد مثل القريب، فلا بعيد عن قلبه، ولا ناءٍ ينأى عن نفسه. في وجهه البشاشة التي عرفنا كلنا أنها بشاشة القلب في أعماقه، وفاضت على الوجه عيانا حتى رأينا بعيون الواقع أن سريرته وضميره من النصاعة والصفاء. كان وجهه زينة كل مجلس، وكان صلة روحية مع كل قلب، فهو علاقة روحانية وعلاقة حب تواصلية، مثلما هو أستاذ أكاديمي ومدير جامعة ووزير، ومثلما هو كاتب وباحث ومحدث لبق وروح كريمة. لقد كان يماني أحد رموز مشهدنا الوطني والثقافي كله، حتى ما كنا نتصور أبدا أنه سيرحل، أما وقد رحل فإنه يرحل محملا بحبنا ودعواتنا. د. عبد الله الغذامي رحم الله أبا ياسر لقد ذهلت حينما قرأت خبر وفاة الدكتور الشيخ محمد عبده يماني، وزيرنا السابق ووالدنا، كما كنا نسميه، ذرفت عيناني دمعتين حينها عدت للوراء أربعة وثلاثون عاما حينما التقيت لأول مرة بمعاليه رحمه الله في مدينة الظهران خلال زيارة قام بها جلالة الملك خالد بن عبد العزيز (طيب الله ثراه) للمنطقة الشرقية، وحينما عرفته بنفسي وقلت له أنا مراسل الإذاعة في المنطقة الشرقية، وكان ممسكا بيدي هز رأسه وابتسامته العريضة قائلا نعم كيف يا ابني استمع إلى رسائلك الصوتية من خلال الإذاعة دائما. وسألني عندها، وأين تعمل قلت له في وزارة المعارف فقال لي رحمه الله، «أنت أعلامي ومكانك وزارة الإعلام، إذا أحببت أن تأتي عندنا فتعال لي بعد انتهاء الزيارة الكريمة إلى الوزارة في الرياض لإكمال إجراءات نقلك»، وبالفعل بعد انتهاء الزيارة الكريمة توجهت إلى وزارة الإعلام وكان مكتب معاليه ذلك الوقت في مقر الإذاعة حاليا. وأول من قابلت يعمل مديرا عاما لمكتب الدكتور محمد يماني، الذي أخذ خطابي وقدمه للوزير، حينها أتممت إجراءات نقل خدماتي لوزارة الإعلام، وبعدها قابلت الراحل يرحمه الله في مكتبه وقال لي: «نحن على وشك افتتاح خمسة مراكز إعلامية في مناطق المملكة، وسيكون أحدها في مدينة الأحساء وأنا سأعينك مديرا لهذا المركز؛ ولكن استمر في برنامجك الإذاعي كل يوم؛ لأن صوتك يا ابني صوت إعلامي متمكن من قراءة الخبر». لقد اتسم معاليه بتواضعه واريحيته التي دخلت قلوب محبيه، وكان محبا لأعمال الخير وحينما كنت عند معاليه أذا با أحد موظفي الوزارة يطلب وساطته للعلاج في الخارج، فما كان من الدكتور محمد رحمه الله، إلا أن قال له «هات التقرير الطبي وأبشر بالخير»، وهذا ملمح يجسد مدى تفاعله مع المواقف الإنسانية حيث كان عطوفا على المساكين. عبدالرحمن بن عبد المحسن الملحم مدير عام فرع وزارة الثقافة والإعلام في المنطقة الشرقية مثقفات وإعلاميات وطبيبات ل «عكاظ» : يماني كان نصيرا للمرأة العاملة ليلى عوض، وفاء باداود، زين عنبر، فاطمة آل عمرو، أسماء الغابري جدة استحضر عدد من المثقفات وسيدات المجتمع مآثر الراحل الدكتور محمد عبده يماني، حيث أبرزت الكاتبة والأديبة انتصار العقيل ما قدمه من خدمات جليلة لخدمة القرآن الكريم في منطقة مكةالمكرمة لمدة 35 عاما، مشيرة إلى «أن خدمة كتاب الله كانت الأكثر في أعماله وأشغاله، إضافة إلى أنه كان حافظا لكتاب ربه، تاليا وناشرا ومدافعا عنه، فاللهم أرزقه بكل حرف من حروف القرآن حلوة، وبكل كلمة كرامة، وبكل آية سعادة، وبكل سورة سلامة، وبكل جزء جزاء المؤمنين الصابرين الحامدين». التفاني في العمل أما الكاتبة الدكتورة أميرة كشغري فأوضحت أنه كان رمزا ثقافيا وطنيا كبيرا، قدم لمجتمعه أنموذجا للفكر المضيء المتسامح، والأفق الواسع، وقالت: «كانت له مواقف مشرفة في مشاركة المرأة في المجتمع، حيث كان داعما لها في كل خطواتها، التقيت به في عدة مناسبات، ورأيت تلك المواقف العظيمة التي يقدم من خلالها للمرأة الدعم المعنوي والمادي أيضا». وأضافت «من مناقبه التفاني في العمل، والإخلاص في الرأي، فمنذ تقاعده من جامعة الملك عبدالعزيز في السبعينيات قدم كوزير إعلاما فكريا تنويريا، استطاع أن يساعد المثقفين والمثقفات لخوض تجربة الإبداع، ويجمع بين العلوم بحكم تخصصه في الجيولوجيات». وتؤكد الكاتبة ومديرة الإعلام التربوي في إدارة الإشراف التربوي أميمة زاهد أن الراحل كان أحد أعلام المملكة، مضيفة «إنني لا أنسى مواقف هذا الرجل حين طلبت منه أن يساندنا كإعلام تربوي، فوافق على الفور وقام بإلقاء محاضرة حث فيها على أهمية الإعلام التربوي، وأنه جزء مهم في تنشئة الأجيال، كنت أستعين به وبفكره وثقافته، ولا أنسى يوم تكريم المتقاعدات جاء وساندنا». متمسك بالموروث وأوضحت مديرة برامج الأسرة والطفل في مركز تلفزيون جدة عالية مشيخ أن الفقيد ترك بصمة في التعليم والإعلام، وشهد له المثقفون بإنتاجه الأدبي رفيع المستوى في جميع إصداراته العلمية والفكرية، وقالت: «له أياديه البيضاء في جميع المجالات الإنسانية والاجتماعية». وقالت الكاتبة وسيدة الأعمال حصة العون: «كان لي شرف معرفته عن قرب من خلال صداقته لزوجي المرحوم عبدالرحمن الجعيد، وله العديد من المواقف التي يتميز بها، مثل زيارته في العيد لنا وللناس صباحا، بعكس الآخرين الذي يبدأون في المعايدة بعد المغرب، حيث إنه رجل متمسك بالموروث والعادات القديمة كابن من أبناء مكة، كان يداوم على كل شيء فيه صالح الناس، زاملته في المعهد العلمي كأعضاء مجلس إدارة، كان دمث الخلق يتحدث بلغة راقية، كان رجلا تبدو عليه السكينة والهدوء في حديثه، سواء مع الناس أو في الإعلام، كان يغدق على من حوله كثير الثناء والشكر، تعلق بالسيرة النبوية، وعاشقا للرسول صلى الله عليه وسلم وأهل بيته، كانت زوجته تحدثنا عنه وعن تعامله بخصائص الإنسان كأب وأخ وصديق لزوجته وأبنائه، بالفعل يعد من النادرين، كان يسأل عني وعن أبنائي بعد وفاة زوجي رحمه الله يعمل ويشارك على حساب صحته ووقته حتى توفاه الله، أسكنه الله فسيح جناته والعزاء لزوجته وأبنائه. يحب الفقراء وأوضحت الدكتورة بسمة العمير المديرة التنفيذية في مركز السيدة خديجة بنت خويلد أن الفقيد كان شخصا مولعا بحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والسيدة خديجة بنت خويلد، فقد ألف كاتبا عنها كان من أروع مؤلفاته، كما أنه أكبر الداعمين للمركز، كنا معه نشعر بالأبوة والحنان، حيث كان يحب الفقراء ومشاريع الخير، فكان التصاقنا به روحيا، وقد كان يخطط لإقامة مشروع مهم وهو أن تصل خدمات مركز السيدة خديجة إلى القرى، وكان لدينا اجتماع هذا الأسبوع لمناقشة هذا المشروع، وكنا سنذهب للقرى وهو معنا لنرى احتياج كل قرية، حيث كان يهدف أن تدعم المرأة سكان القرى. صباح الدباغ معدة ومذيعة برامج في البرنامج الثاني سابقا، قالت: «رحيل الدكتور يماني أثر فينا كثيرا، فقد كان أبا وأخا، عرف عنه إنسانية طاغية، وحب المساعدة بكل جوانبها وخاصة الشباب». من جهة أخرى، وصفت استشارية النساء والتوليد والمشرفة على كرسي الشيخ محمد حسن العمودي لسرطان الثدي الدكتورة سامية العمودي مرارة الفقد، وقالت: «أشعر أننا فقدنا رمزا كبيرا له بصمة في حياتنا بكل أطيافنا، فالبارحة قدمت محاضرة لطالبات السنة السادسة في كلية الطب، ولهجت ألسنتنا جميعا بالدعاء له بالرحمة والمغفرة، ففي عهده تم إنشاء كلية الطب في جامعة الملك عبدالعزيز، وكنت أسمع من الدكتور عبدالله باسلامة قصة إنشاء الكلية، ليس هذا فحسب فالدكتور يماني حمل هموم مجتمعه من خلال جمعية الإيمان لرعاية مرضى السرطان، إضافة لكونه رمزا من رموز الثقافة والإعلام، فعطاءاته شملت كل المناحي». المشهد الخيري وتؤكد استشارية النساء والتوليد الدكتورة وفاء فقيه «أن بصمات الفقيد جلية في المشهد الخيري الاجتماعي من خلال دعمه للحملات الخيرية فيما يخص حملات سرطان الثدي وهشاشة العظام والقلب، لم يكن يدعم المرضى فقط ولكن كان يثري القاعدة العلمية من خلال المؤتمرات العلمية للوقوف على المستجدات الطبية لدعم الأبحاث والتطور العلمي». وقالت عميدة كلية دار الحكمة الدكتورة سهير القرشي: «الفقيد كان منافحا عن حقوق الناس، إضافة لكفالته عدد من الطالبات من خلال المنح الدراسية، فدائما يحرص على ترسيخ رسالته بأن يكون الإنسان منتجا وفعالا في مجتمعه، وكان دائما ينادي بالوسطية في كل جوانب الحياة، متمسكا بالحكمة التي هي رأس الأمور، وكان حريصا على الوقوف على متطلبات الكلية، ومعرفة كافة احتياجاتها». الإعلامية نازك الإمام قالت إن الفقيد كان رجلا كريما وسخيا، وأضافت «جمعتني معه عدة مواقف لاتنسى، فلم يكن يبخل علينا بأية معلومة، وهو صاحب كلمة وقلم مميز، ومتعاون مع جميع الإعلاميين، وسيظل هذا الرجل باقيا في قلوبنا، فأعماله الإنسانية وإنجازاته ومؤلفاته باقية في قلوبنا». مساندة المرأة وتشير سيدة الأعمال غادة غزاوي إلى أن الفقيد كان الكاتب والمفكر والأب والمعلم وأحد معالم مكةالمكرمة، وكان الداعم والمساند للمرأة السعودية ومصدر حمايتها بكلماته ومقالاته، مضيفة «فقدنا الأب الحنون بالنسبة لنا، لقد جمعتني بهذا الرجل الفاضل عدة مواقف، كنا نلتقي في الاجتماعات والمناسبات الرسمية، فمواقفه سواء معي أو مع غيري لا تعد ولا تحصى ومن أبرز تلك المواقف التي لم أنسها عندما فعل مكانة المرأة في دار النشر للأبحاث، لقد أخذ برأينا ومشورتنا وتبادلنا معه أطراف الحديث وكان لنا الفرصة بلقائه». وتوضح لما باريان أخصائية المساعدة الاجتماعية في فرع السيدات في جمعية الإيمان الخيرية لرعاية مرضى السرطان «كان الأب الحنون لمرضى السرطان، ووفاته ستترك أثرا كبيرا علينا جميعا وعلى عطائه اللامحدود للمرضى، لقد فقدنا رجل خير، ومن أعظم الرجال في مجال الخدمة الإنسانية والاجتماعية، فقدنا رجلا فاضلا وخلوقا ومتواضعا ومعروفا بأعماله الخيرية سواء لمرضى السرطان أو بالحالات الإنسانية التي كانت تتردد عليه ويقوم بمساعدتها، وأذكر موقفه مع حالات إنسانية كانت تقف أمام مكتبه فكان يترك أعماله للاستماع إليهم ومساعدتهم ولم يرد أحدا على الإطلاق». يماني في فداسي سأل سعودي أحد السودانيين: إيش تكون (بربر)؟ وبربر لمن لا يعرفها هي إحدى مدن الشمالية الشهيرة في السودان، فرد عليه السوداني الذي استفزه السؤال: إيش تكون (عرعر) وعرعر لمن لايعرفها من السودانيين هي إحدى مدن الحدود الشمالية الشهيرة في المملكة. قفزت إلى ذهني هذه الطرفة التي يتداولها السودانيون في مجالسهم وأنا أتلقى في حزن أليم رحيل المفكر والأديب الدكتور محمد عبده يماني. فمن يصدق أن للراحل المقيم أيادي خيرة كثيرة على السودان وأهله امتدت حتى تخوم قريتنا الصغيرة (فداسي) إحدى قرى الجزيرة الواقعة على ضفة النيل الأزرق، والتي لا أتوقع أن أحدا من الأخوة السعوديين، عدا بعض زملائي في العمل وزملاء أبناء قريتي في المهاجر والمنافي البعيدة، قد سمع بها. كما لا أتصور أن أحدا من الإخوة السودانيين قد سمع بقرية (المريفق) إحدى قرى الطائف موطن أستاذي وصديقي المفكر والأديب الدكتور فهد العرابي الحارثي صاحب كتاب: «المعرفة قوة .. والحرية أيضا» كآخر ما قرأت له بعد عودتي الأخيرة من إجازتي السنوية، والذي علق عليه الدكتور يماني قبل وفاته بأيام، مؤكدا على طروحات الحارثي في كتابه المذكور من أن طريق الخروج من تخلف الأمة الحضاري إنما يبدأ من التعليم، لأدرك أخيرا وبعد رحيله المفاجئ لماذا شيد الدكتور يماني في قريتنا الصغيرة تلك «فداسي» كلية للتقنية يطالع المسافرون على طريق مدني الخرطوم لافتتها المكتوبة بوضوح على هذا الصرح التعليمي الشامخ: «كلية اقرأ التقنية»! عجبي لأيادي الدكتور يماني وهي تمتد حتى حدود قريتنا الصغيرة ولكن سرعان ما زال عجبي عندما علمت أن للراحل المقيم مساهمات في عدة جمعيات ومؤسسات خيرية تعنى بالفكر والإعلام والثقافة والمسؤولية الاجتماعية. بركات بله صحافي سوداني فقيد الوطن والعلم والخير عندما نفقد رجلا بقامة الدكتور محمد عبده يماني، الإنسان، والوزير، والمفكر، والمثقف لا بد أن نحزن. فهو لم يكن علما في علمه فقط، ولم يكن مسؤولا في اختصاصه فقط، بل كان يرحمه الله مزيجا من العلم والثقافة والإدارة والمسؤولية والفكر. والذين يعرفون الراحل حق المعرفة يؤكدون أنه، قبل هذه وتلك، كان إنسانا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، يعطف ويساعد ويساهم بكل جهوده وعلاقاته في تقديم العون والمساعدة لكل من قصده. إن أعمال الإنسان هي التي تبقى، وأعمال وإنجازات الفقيد على المستويين الرسمي والاجتماعي ستظل بإذن الله باقية، تستشهد بها الأجيال، وتعود إليها كأنموذج من نماذج العطاء والإخلاص والعمل. نعم، الحزن لا يعيد المفقود أيا كان.. ولكن الإنسان بطبيعته يحزن لفقد الإنسان، فله منا الدعاء في هذه الأيام المباركة بأن يتغمده الله بواسع رحمته، وأن يسكنه فسيح جناته، وأن يجعل ما قدمه من أعمال ومشاريع خيرية شاهدا له يرتفع بها إلى أعالي جنات النعيم. عبد الله بن أحمد الثقفي مدير عام التربية والتعليم في محافظة جدة