غاب عن دنيانا محمد عبده يماني، الرجل الصادق والمؤمن الذي لم يكن لسانه يفارق ذكر الله، ورجل الدولة الذي بقي منذ توليه أول منصب حكومي، في سبعينيات القرن الماضي، مخلصا وأمينا على أسرار ومواقف كثيرة لم يدونها خشية أن يسرب شيء مما ائتمن عليه. الثلاثاء، يوم الوداع في الحرم المكي، شهد تجمع المحبين ودموعا تكلمت بلسان الفجيعة لتروي حكايات عن روح طاهرة مرت في عالمنا واستوطنت في كل مجلس، لم ينس أحد أنه كان رجل المجتمع بامتياز، يحرص على تلبية جميع الدعوات خصوصا الزواج، ولا يصنف الناس على أساس طبقي أو مناطقي، بل كان يخص صغار القوم بالاهتمام أكثر من كبارهم، ولا يغيب عن تقديم واجب العزاء، ولا يتوانى عن زيارة مريض، ومنذ أن ترجل عن الكرسي الحكومي شغل نفسه بهموم الناس، وبالتأليف الفكري والعلمي، ليمتد عطاؤه ويشمل جميع المناحي والمجالات. الملم بالبرنامج اليومي لهذا الرجل الفريد يتأكد أنه أمام مقدرات ومواهب استثنائية، فمنذ يصحو في الصباح الباكر يجد عشرات الأشخاص ينتظرون أمام بوابة منزله يخرج إليهم ويتحلقون حوله ليقضي حاجاتهم، وفي المكتب يجد أعدادا لا تقل عن تلك الواقفة أمام المنزل، ليمارس إنسانيته بأسمى أشكالها تجاه من أحبوه وأحبهم بصدق. في المساء كان يبدأ جولاته الاجتماعية ليلبي دعوة هذا، ويقدم العزاء لذاك، ويلتقي بالأصدقاء والأقارب لتكتمل صورة رائعة للتواصل والوفاء. لا يمكن لأحد أن يتجاهل مواقفه كرجل دولة يذكر له التاريخ حصافته وقدرته على إدارة الموقف إعلاميا أثناء أحداث الحرم الشريف سنة 1980، وساهم خطابه الإعلامي المتزن في المحافظة على الوحدة الاجتماعية. طموح وعزيمة الدكتور يماني قاداه إلى مواقع قيادية وهو في سن مبكرة، فقد اختاره الملك الراحل خالد في حكومة «الدكاترة» سنة 1975 ليدخل الشاب المكي إلى مطبخ السياسة، وبعفويته وطيبته وتواضعه كان حاضرا بابتسامته التي استمرت إلى اللحظة الأخيرة تكسو وجهه الطاهر. انشغل ابن المسفلة بتحقيق رغبات الناس وقضاء حاجاتهم، ونسي أن يحقق حلمه بالاستقرار في مكةالمكرمة، وأن يلاقي ربه وهو يعيش قرب الحرم الشريف.. حلم كان يراوده ليعيش في ظل التقاعد ساكنا بعيدا عن الضجيج، ولكن محمد عبده يماني لم يمت قاعدا. [email protected]