كان يوم الاثنين الماضي يوما تاريخيا لايمكن نسيانه من ذاكرة محبي الدكتور محمد عبده يماني يرحمه الله حيث واراه محبوه الثرى محفوفا بتلك القلوب التي استكان شخصه في وجدانهم بتقواه وصلاحه وطيبته وحبه للخير وللعلم ولنشر ثقافة المسئولية الاجتماعية عندما تكون نبراسا لخلافة المسلم في الأرض .وعندما يكون هذا المسلم متمثلا في أردان ذلك الرجل الرائد في مختلف التخصصات والمجالات والقطاعات والذي لايختلف اثنان على أنه استحق أن يكون رائدا للدفاع عن الإسلام, ودائما الموجود في جمعيات تحفيظ القرآن وفي جمعية رعاية الأيتام أو مرضى السرطان , مساحات عطائه لا تتوقف , ولا تختزل في مدينة أو قطاع في الداخل أو الخارج , كان كالضوء ينتقل إشعاعه حيث الاحتياج إليه . من تابع ما كتب عنه أو حضر العزاء فيه وله حيث كنا في مجلس العزاء نعزي أنفسنا وليس فقط نعزي أهله يتأكد أنه فقيدنا جميعنا. وهذه حالات استثنائية لا تحدث الا لأشخاص ( قلة ) لكنهم في مثل مكانة الراحل يرحمه الله ( فقيد الوطن ). فالحشود التي رافقت جثمانه إلى مقبرة المعلاة في مكةالمكرمةالمدينة التي ولد فيها وعاش, ومنها واليها كان المسار هي ( شهود الله في أرضه ) له فهو شخصية لها مكانتها في الداخل والخارج ممن يعملون في دوائر الخير والإحسان والإصلاح. مشاعر الحزن التي عمت محبيه والعارفين فضله والذين امتدت يده الكريمة لخدمتهم وعلاجهم وتأمين تعليمهم وتوفير احتياجاتهم على تعددها , مواقف كتب عنها البعض وبقيت لدى الآلاف ممن لم تكن لهم فرصة للتعبير عنها تؤكدأن حب الخير ليس مهنة مارسها ذلك الراحل الفاضل , بل هو جزء من كينونته ,فهو يتشربه ويعيده كما تنثر الزهور عبقها . يقدمه بنفس كريمة سواء منه شخصيا أو وساطة خير للآخرين. كم اتعبت من سيكون بعدك يا دكتور محمد في أي موقع , فمن يستطيع أن يكون عشرة رجال في واحد ؟ هل أبالغ ؟؟ أبدا بل أنا مقصرة في التعبير عن دور هذا الراحل الذي علمنا ماذا يعني حب الأرض وتطبيق سلوكيات المسلم في هذه الحياة . وما العلاقة بين العقيدة والحياة الدنيوية, وماذا يعني الوطن عندما يكون ( أرض الحرمين بكل خصوصيتها بعيدا عن الغلو أو التميع ) . عرفته مديرا لجامعة الملك عبد العزيز وكنت أحدى طالباتها,تعلمنا منه معنى ( القائد القدوة ) , واستمر ذلك الضوء يشدنا إليه والى إخلاصه والى نموذجه القيادي العلمي والعملي,ثم عدت من الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد حصولي على الماجستير وكان هو وزيرا للإعلام وبقي متميزا في وزارة الإعلام كما عهدناه في رحاب جامعة المؤسس الملك عبد العزيز . ثم جمعتنا به رحاب المعرفة وهو خير من يلبي أي نداء للعلم أو الفكر. كان ضيفا متميزا للعديد من ندوات ولقاءات لجنة الدراسات والأبحاث في الجمعية الفيصلية في جدة حيث كنت رئيسة لهذه اللجنة خلال السنوات التي تلت عودته لجدة بعد تركه وزارة الإعلام . لازلت أتذكر ذلك العطاء والتجاوب السريع لأي نداء منا لحضوره أو مشاركاته لا يبخل بعلمه وفكره لأي نداء, يأتي ملبيا ببساطته وطيبته وبعده عن الرسميات أو التعالي . كانت دوائره متعددة المستويات والتخصصات والمجالات والجنسيات يحب الكبير والصغير والغني والفقير , تجده بين خريجي جمعيات تحفيظ القرآن ,أو مشاركا في لقاءات رياضية , أو في منتديات فعاليات الشباب وأنشطتهم . أو مع مرضى السرطان أو أيتام الجمعيات الخيرية , أو معرض الكتاب أو المؤتمرات العلمية المتخصصة والثقافية والإعلامية وله وقفات كثيرة مع الأرامل واليتامى والمعوزين والفقراء، وكانت له بصمات وأعمال قد لا يعلمها الكثير من الناس؛ يؤديها في الخفاء وتلك شيمة الصالحين الفضلاء . كتاباته ومؤلفاته ومواعظه ووقفاته معظمها في خدمة الإسلام والدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن أمهات المؤمنين رضي الله عنهن . رحم الله الفقيد محمد عبده يماني رحمة واسعة وأسكنه الفردوس الأعلى ومتعه سبحانه بلقاء من أحبه ودعا إلى حبه طوال حياته: محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام.وأحسن الله عزاءنا وأهله جميعا : أرملته الأخت الفاضلة مريم عبد الله كامل الصابرة الوقورة , وبناته , وأبنائه وجميع أقربائه, ومحبيه .لا ننسي أنه غاب عن مشهدنا الدنيوي , ولكنه بقي حاضرا بأعماله وخيريته التي تركها شاهدا وأمانة في أعناقنا جميعا نحن محبيه . فاللهم ارحمه واغفر له وأسكنه الفردوس الأعلى . وانا لله وانا اليه راجعون .