لفت انتباهي خبر عجيب، لا يمكن لمواطن في كثير من المجتمعات العربية تصوره، وقد يظن للوهلة الأولى أنه خبر «مفبرك»، فهو يتجاوز واقعه، ويفوق خياله. الخبر يفيد بنجاح «باهر» لتجربة في مدينة نمساوية (كلاينشتاين) تم من خلالها اعتماد نظام «مرور حر»، دون تقيد بأي إشارات مرور، أو حواجز ضوئية، باستثناء رادارات ترصد سرعة السيارات. (الشرق الأوسط، عدد 11644، 15 أكتوبر 2010). وأضاف الخبر: «وكانت إحصاءات نشرتها سلطات المرور في المدينة الصغيرة، قد بينت أن الطرقات لم تشهد غير تجاوز 10 سيارات فقط للسرعة المحددة (50 كلم في الساعة)، من أصل 6000 سيارة، رصدت سرعاتها الرادارات خلال شهر كامل في أكبر شوارع كلاينشتاين». خبر كهذا، يبث مزيدا من الإحباط في نفوس المثقفين والغيورين على مجتمعاتهم العربية، نتيجة عدد من الأوضاع السلوكية المتردية، التي أخفقت فيها كثير من الأنظمة والقوانين المرورية، في ضبط سلوكيات لا تتفق مع المنطق السليم، أو الذوق العام. ومما أثار استيائي، التراخي المخجل في تطبيق عدد من الأنظمة المرورية بشكل جاد، وكثرة اللغط الذي أثير حول نظام «ساهر»، سواء من ناحية القصور في نشر الوعي به بشكل واضح وسليم، وآلية تنفيذه المتعثرة، وتجاهله عددا من المخالفات التي لا تقل أهمية عن تجاوز السرعة المحددة مثل: القيادة بسرعة غاية في البطء في الطرق السريعة، والتهاون في مخالفة السيارات ذات إشارات التنبيه المعطوبة، والأضواء المكسورة، والمنعطفة يمينا ويسارا بزاوية حادة، والمتراقصة كالأفعى وسط الزحام، فضلا عن قاطعي الإشارات الحمراء، ومتجاوزي الخطوط الصفراء، ومقارنة ذلك كله بحال بعض المجتمعات المتقدمة، صاحبة السبق في تربية أفرادها على حسن التصرف الاجتماعي، ووصولهم إلى مستوى حضاري، أصبح فيه الالتزام بالأنظمة، من المسلمات السلوكية، والحاجات الأساسية، والعادات الروتينية. إن أشواطا طويلة، وجهودا تربوية ورسمية مضنية، تفصل بين واقع كثير من أفراد المجتمع السعودي، وبين الالتزام الكامل بالآداب السلوكية العامة، والأنظمة المرورية الأساسية، فضلا عن «الحلم الوردي» بتطبيق نظام «المرور الحر»، الوارد في أعلى المقال. * استشاري الأمراض الصدرية واضطرابات النوم [email protected]