الحياة بإيقاعها المتسارع، لم تعد تنتظر أحدا، أو تعطي أحدهم فرصة التراخي وتضييع الأوقات في دراسة إعادة اختراع العجلة، أو مناقشة تطبيق الأنظمة التي أثبتت فعاليتها في تقدم الإنسان والحفاظ على مقدراته، فيوم واحد من التردد، كفيل بأن يؤخر المجتمعات أشواطا عن اللحاق بغيرها. من غير المنطقي أن يدور عدد من المجتمعات العربية والإسلامية في حلقة مفرغة من نقاش ممل حول موضوعات اجتماعية وفكرية، وفتاوى دينية، تجاوزها أجدى وأنفع، والتسامح فيها أولى، حتى يلتفت أفرادها لقضايا مصيرية وأمور حياتية، تحقق معنى الخلافة في الأرض، عوضا عن تذيل مجتمعاتهم قائمة المجتمعات الأجدى نفعا للناس. ويبدو أن كثيرا من المجتمعات العربية والإسلامية، أشغلتها اختلافاتها الفقهية، والمذهبية، والثقافية، والاجتماعية، والسياسية عقودا طويلة، وأنهكتها مشكلاتها السلوكية، وتحولت حتى بعض مناسباتها الرياضية إلى وسيلة إلهاء وإفساد للود، ووفر كل ذلك على المجتمعات المتقدمة عناء التنافس الحضاري معها، فلدى زيارة كثير من مدن دول شرق آسيا مثلا، ناهيك عن «صغريات» المدن الأوروبية والأمريكية، يتعجب المرء من تكامل البنية الأساسية، وتوافر الخدمات الترفيهية فيها، فضلا عن انتظام سلوك أفرادها في نسق يراعي الذوق العام ويحترم الأنظمة، في صورة جميلة، تطرح تساؤلات حائرة عن أسباب الاختلافات الكبيرة بين الصورتين!!. إن أنظمة التعليم في معظم المجتمعات العربية وأكثرها ازدهارا، عاجزة عن توفير بيئة فكرية متميزة، ومستوى الحريات الإعلامية فيها، لم يزل خجولا يراوح مكانه، وغالبية أفرادها على سبيل المثال لا الحصر غير قادرين على استيعاب أهمية الالتزام بالأنظمة المرورية، فضلا عن تطبيقها.. أستطيع تفهم مقولة لم يمل من ترديدها كثيرون من أفراد المجتمع السعودي: «مجتمعنا متميز وذو خصوصية»، يهدفون بها إلى تكريس احترام بعض العادات والتقاليد الاجتماعية والثقافية، لكن تلك المقولة تتطلب في الحقيقة أن ينهض أفراد المجتمع سويا، لتحقيق معنى «الخصوصية» على أرض واقع الأخلاق العالية، وترجمة «التميز» إلى سلوك إنساني رفيع، وإنتاج فكري وحضاري مبدع، قبل فوات مزيد من الأوقات الثمينة، وإهدار مزيد من الطاقات غير المستثمرة .. والله المستعان. [email protected]