وأنا أمر بتجاربي الروائية القديمة، أي التي كتبتها أيام تأثري الشديد بالشعر، وخرجت بصورة مكثفة، وجذبت عددا محدودا من النقاد والقراء على حد سواء، اكتشفت خامات روائية كان يمكن أن تكون أصلب عودا، في مضمار السرد، لو لم تكن كتبت بتلك الصورة المكثفة، اكتشفت أن رواية مثل عواء المهاجر، أو نار الزغاريد، فيها موضوعات مهمة، لكن تكالب اللغة الشعرية المفرطة عليها، أضاع من تلك المواضيع، وجعل منها هوامش لا تفهم إلا بصعوبة، وقد وصف أحد الكتاب السودانيين مرة إحدى تلك التجارب، بأنها شبح رواية، وليست رواية، وأغضبني ذلك القول في حينها، وأقول الآن أن الرجل لم يكن مبالغا في قوله، برغم أن عشرات الأصدقاء ردوا عليه في ذلك الحين، محاولين إنصافي. أيضا عثرت على رواية كاملة اسمها طحين الفوضى، موجودة على كومبيوتري، ولا أستطيع نشرها، لأنها تنتمي لعهدي السابق في الكتابة. السؤال الذي تبادر إلى ذهني، وأنا أطالع تلك التجارب: هل مصرح للكاتب أن يعيد النظر في تجاربه المنشورة، ويعيد صياغتها من جديد، حتى تصل إلى أكبر قدر من القراء ؟ الإجابة في نظري، هي أن العمل المنشور، لا يمكن إلغاؤه، أو إعادة إنشائه من جديد، تماما كالطفل الذي يولد، ولا يستطيع الأبوان استرجاعه نطفة، وإعادة إنتاجه، مهما كانت عيوبه. العمل المنشور يظل منشورا إلى الأبد، والتجربة الكتابية تتغير وتتطور في كل يوم، وما يكون مقنعا للكاتب اليوم، قد لا يكون مقنعا له غدا، ويظل في هذا التأرجح إلى أن يرحل أو يشيخ أو يتوقف عن الكتابة، وأعرف كتابا كثيرين، كتبوا أعمالا كانوا راضين عنها تمام الرضا، في وقت كتابتها، ثم تناسوها واحتضنوا تجاربهم الجديدة فيما بعد، وبالمقابل هناك من أعاد كتابة أعمال قديمة، ولم تنجح المسألة، وظلت الكتابة الأولى هي التي يؤرخ بها، وأذكر رواية محطة السكة الحديد لإدوار الخراط التي أعاد كتابتها ثلاث مرات كما قال، وظلت هي المتاهة السردية الأولى لم تتغير كثيرا.. إذن لا يملك الكاتب حرية مطلقة في هذا الشأن، وأيضا عليه أن يرفض تلك الحرية حتى لو امتلكها، والذي يستطيع فعله في هذا الشأن، هو أن يعيد إنتاج المواضيع التي ضاعت في تجاربه الأولى، في أعمال جديدة، وموضوع الإغاثة الذي ضاع في رواية نار الزغاريد، يمكن كتابته في رواية أخرى مختلفة تماما، ومن ضمن هذه المرحلة التي ترضيني. وفي سير ذاتية صدرت لروائيين غربيين، عولجت هذه المسألة بجدارة، وأطلت مواضيع مهملة، في أعمال أخرى مضيئة. للتواصل أرسل رسالة نصية SMS إلى الرقم 88548 الاتصالات أو 626250 موبايلي أو 727701 زين تبدأ بالرمز 104 مسافة ثم الرسالة