تجتهد الكثير من الدول وخصوصا النامية في ابتكار طرق لمواجهة الازدحام المروري وكثافة السكان والتلوث الهوائي الناتج عن عوادم السيارات، وهذه الطرق قد تكون اجتهادية وغير علمية أو مدروسة عالميا. وانتهجت إحدى الدول الشرق آسيوية المكتظة بالسكان تجربة جديدة في مكافحة التلوث الهوائي الناتج عن عوادم السيارات والحد من التكدس المروري وما ينتج عنه من تعطل حركة السير، حيث فرضت هذه الدولة الآسيوية قانونا إلزاميا يمنع أن يكون عدد ركاب السيارة الخصوصية بعد السادسة مساء أقل من ثلاثة ركاب لمنع تكدس السيارات وتفادي مشكلة الازدحام المروري. وفي نظري فإن هذا التوجه البيئي الذي أزعج أصحاب السيارات الخصوصية في كيفية تجاوز هذه المشكلة في توفير ثلاثة ركاب في سياراتهم في حالة قيادتهم بمفردهم حتى يتمكنوا من قيادة السيارة في التوقيت المحدد، ابتكر سكان هذه الدولة الآسيوية فكرة جديدة في مساعدة السائقين الأفراد، تتمثل في الركوب معهم في سياراتهم مقابل مبلغ محدد إلى أن يتم تجاوز نقطة الرصد المروري، وأصبحت هذه الظاهرة ملفتة للنظر وعلى مرأى المرور، وأصبح مسار الخطين على الشارع جاهزا بأفراد متطوعين يمثلون النساء والأطفال ومهمتهم كسب لقمة العيش من خلال مساعدة هؤلاء الركاب الأفراد. اتفق تماما مع من يقول إن هذا التوجه غير عملي وغير منطقي في مواجهة ظاهرة الازدحام وتقنين نسب السيارات التي تسير في الشوارع وقت الذروة، والمحافظة على البيئة من العوادم التي تفرزها كثافة السيارات، خصوصا أن الغالبية العظمى منها في هذه الدولة النامية تستخدم الديزل، وهو ما ينعكس أثره سلبا على صحة السكان في تعرضهم لأمراض صدرية ومنها الربو والحساسية الجلدية، ولكنه يظل خطوة نحو تجاوز معاناة يومية الكل يعيشها ويلمسها في حياته. أخيرا .. تظل مشكلة الازدحام المروري والمحافظة على البيئة معادلة صعبة تعاني منها كل المجتمعات وخصوصا النامية، وتظل الجهود المبذولة في مواجهتها حلولا فردية واجتهادية، ولكنها تسهم «نوعا ما» في حل أبسط معاناة البشرية، ففي السابق كان الفرد ينهي ثلاثة مشاوير أو أعمال في ساعة، أما الآن ومع كثافة البشر والسيارات أصبحنا ننجز مشوارا في ثلاثة ساعات، وتبقى مثل هذه الأمور في جميع دول العالم قضية مستمرة وصراعا متواصلا. * مدير إدارة حماية البيئة سابقا في الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة.