عانى العراق الشقيق، ولا يزال يعاني من ويلات الفرقة والإرهاب، وإزهاق الأرواح البريئة. فتكت الخلافات المذهبية والطائفية بالكثير من المعطيات، وامتد ذلك ليشمل البناء السياسي والتركيبة الحاكمة، والتي بدون وقوفها وتماسكها لا يمكن لبلد أن يواصل سيره على طريق الرقي والتقدم ويحقق لشعبه آماله وطموحاته. تردد العراقيون، واختلفوا كثيرا في تحديد مستقبل حكومتهم، واختلفت الأحزاب فيما بينها، والكل يتحدث عن مطالب واشتراطات لا يقبلها الآخر. المستفيد الوحيد هنا هو من يهمه دمار وخراب العراق وتهتك بناه التحتية. الأعداء المتربصون بعراق الرافدين كثيرون، وهم بتفتيتهم لوحدته إنما يغرسون خنجرا في وحدة الأمة العربية وتماسكها، ويهددون بزعزعته الأمن والاستقرار في دول الجوار. ليل كالح غطى بسواده سماء العراق، وتصادمت في طرقه المصالح، وكبر حجم الضرر وازداد، وجاء نداء خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لشعب العراق ليكون نبراسا اشتدت الحاجة لنوره كي يضيء سماء العراق الداكنة ويأذن بفجر جديد. نداء من قلب مخلص غيور على أمته حريص على عزتها وكرامتها. نداء موجه من أرض الرسالة ومهبط الوحي إلى «شعبنا في العراق الشقيق الأبي .. عراق الأديان والمذاهب والأعراق المتسامحة المتعايشة». لم يكن مستغربا أن يوجه خادم الحرمين الشريفين هذا النداء، وهو القائد الحريص على كل ما فيه دعم واستقرار أمتنا العربية وشعوبها. سجل حافل له يحفظه الله يسطر بمداد من ذهب سلسلة من دعوات المصالحة وتناسي الخلافات بين الأشقاء، ومبادرات ودعوات كريمة للحوار بين الأديان والحضارات. دعوة الملك عبدالله للشعب العراقي جاءت استشعارا منه لما عانى منه هذا الشعب من ويلات وحروب، وهي في مجملها ليست تجاوزا للأنظمة والأعراف الدولية، وستكون تحت مظلة الجامعة العربية، مما سيكسبها دعما سياسيا وتنظيميا ينسجم مع روح المبادرة العربية والحرص على الوحدة والنماء والتطور لكل شعب عربي أبي. نداء الرياض لبغداد وضع النقاط على الحروف، وحدد المسؤوليات، وجسد الدور الملقى على عاتق العراقيين والذي «سيكتبه التاريخ وستحفظه الأجيال القادمة في ذاكرتها». ها أنت يا خادم الحرمين الشريفين تمد يدك الطاهرة المعطاء لإخوانك في العراق ليصافح الوعي راحتها فيعمل الجميع سويا من أجل أمن ووحدة واستقرار أرض وشعب العراق الشقيق، ويبقى الرهان الآن على أن تكون الاستجابة بحجم المبادرة، وأن يمد العراقيون أيضا أيديهم لتصافح يدي ملك الإنسانية في تجسيد كامل وواع لإنجاح جهود الوساطة وطوي صفحة الخلافات الطائفية والمذهبية، وبالتالي تشكيل حكومة ترضى عنها جميع الأطراف، وتكون قادرة على التجديف وإيصال المركب إلى شاطئ الأمان على ضفاف دجلة والفرات. [email protected]