في قصيدته الأحزان العميقة، جديرة دائما بإبقاء كفة المسرات راجحة! كيف أمكنه فعل ذلك؟ بقي هذا من أسرار مساعد الرشيدي، سر يصعب كشفه، وكل محاولاتي لتتبع الأثر لم تسفر عن أكثر من هذا: إنه لا يفتح خزانة الآلام حتى عند الضرورة، لكنها ما أن تمتلئ حتى تكسر أقفالها، فيكون عمله الشعري ليس عرض بضاعة الأسى في السوق، لكن: لملمتها بطريقة مناسبة وسريعة في صندوق جديد أكثر إحكاما إن ما يمر بنا، وما نستطيع ملاحظته في قصيدة مساعد ليست الأحزان نفسها، ولكن طريقة لملمتها بعد أن تبعثرت من تلقاء نفسها والكيفية المشحونة بعاطفة مشبوبة التي يلتقط من خلالها ما تبعثر لإعادة ترتيبه في صندوق الصمت! لهذا لا تمسنا أحزان الرشيدي بأذى، فطريقة الالتقاط لها: سارة جدا! ولا أدري إن كان بإمكان كلمة: «سارة» الصمود طويلا، ذلك لأن كلمات أخرى مثل: «لطيفة» «حنونة» و«آسرة» يمكنها المطالبة بحقها في التواجد أيضا، يقولون: يكتب للجميع لكل الناس، وأظنها كذبة كبيرة، والأنسب أن أقول: خدعة شديدة النبوغ، خدعة جعلت من الكذبة حقيقة خالصة، خدعة مبتكرة: ذلك لأنه فقط قادر على غواية كل قارئ على حدة لاتخاذ طريق وطريقة لقراءته، من هنا تأخذ قصيدته شكلها الجماهيري، لكنها في عمقها الدفين تبقي على أسرارها لا تأتمن عليها سوى قلة قليلة من القراء، أولئك الذين أثبتوا دائما: الجدارة والجسارة اللازمتين، الجمهرة على قصيدته ليست لأن القصيدة مشاع وليست لأنها تقول نفس الشيء لكل الناس، لكنها موجودة لأن أسلوب مساعد الرشيدي له طبيعة لا تفتقر أبدا لإيجاد الخطوط، خطوط محددة يمكن تعقبها، قصيدته نضرة حية وصباحية الندى مثل ماذا؟ حسنا: مثل صوت «وردة الجزائرية»! هل أقول: مساعد الرشيدي هو «بليغ حمدي» آخر؟ نعم طالما شعرت بذلك.. يكتبها: فهد عافت صندوق بريد: 375225 الرياض الرمز البريدي: 11335 [email protected]