أعتقد أن الحديث في المجال القضائي والقانوني أمر حساس، ويحتاج دقة ومعرفة جيدتين في الأنظمة القضائية وبعلم القانون، وهذا أمر لا يدركه كثير من المجتهدين الذين حاولوا ويحاولون في كتاباتهم عن القضاء إظهار نياتهم الصادقة في الإصلاح والتقويم، ولكن القضاء، في السعودية خصوصا، لا تحل مشكلاته وتعقيدات إجراءاته على صفحات الصحف فقط، بل قد ينتج عن بعض الكتابات، التي تخلو من النقد المتخصص، استفحال المشكلات وزيادة الهوة بين المجتمع والسلطة القضائية بكافة قطاعاتها. كل ما يحتاجه القضاء في بلادنا تطبيق الأنظمة، أن يكتمل تطبيق ما أراده خادم الحرمين الشريفين من إصلاح وتطوير، وأن ننظر إلى تجارب الآخرين الذين سبقونا في هذا المجال، والقصد هو رفع كفاءة التطبيقات الإجرائية وليس تغيير الجوهر الذي هو كما يعرف العارفون أصل كل القوانين: كتاب الله الكريم والسنة المطهرة الصحيحة. تحدث الزملاء الكتاب، الأسبوع الماضي، في صحيفتنا «عكاظ» وفي عدد من الصحف المحلية عن قضية الفساد الإداري التي برر أحد أبطالها ما حدث بتعرضه ل «السحر»، ما دفعه لخيانة الذمة والواجب المقدس، وتسهيل إتمام صفقات مالية ضخمة استفاد منها من قاموا بسحره. مأساة كبرى، بل طامة كبرى، أن يتسرب الفساد في أبشع صوره إلى منصة النزاهة وإلى حماة العدالة، وما يزيد المأساة ويضاعفها هو أن يتلاعب المتهم بمشاعرنا، ويحاول أن يلعب دور الضحية! غياب التفتيش القضائي المستقل قد يكون السبب الرئيس لظهور حالات فردية لقضاة ينتفعون من مواقعهم، أو يمارسون السرقة ويحللون لأنفسهم الرشوة. هنا أعود لأقول: الحل أبسط مما تتصورون، وهو باختصار شديد إكمال تطبيق برنامج خادم الحرمين لتطوير القضاء الذي رصدت له ميزانية ضخمة، فحينها لن يتمكن هذا القاضي وأمثاله من تجاوز الأنظمة المتكاملة مع بعضها لضمان تحقيق العدالة. أوجه انتقادي لمن أخذ حالة قاضٍ فاسد وأراد أن يضرب الجسد القضائي بهذه الحالة، أقول لهؤلاء: المشكلة ليست فساد قاضٍ فقط، بل هي مشكلة أكبر وأعقد، ولا يجب أن يظهر أصحاب الرأي بمظهر المتحاملين على القطاع، بل يجب أن يشعر القائمون عليه أننا نقف معهم، كتفا لكتف لإيجاد الحلول. المشكلة الأكبر برأيي هي التساهل الذي يضيع الحقوق، والبطء القاتل في الإجراءات، وهو في تصوري أشد من الحكم القضائي الجائر. أما أخينا «المسحور» فيجب إن ثبت عدم صدقه أن يلقى العقاب الرادع.. وأخيرا أقول: من يبرر فعلة قاضينا «المسحور» هذا، فبإمكانه أن يجد لأي متهم ألف مبرر لو يظهر بعد أن يقبض عليه، ويقول: قتلت الآلاف تحت تأثير السحر! وكفانا الله هكذا مبررات. [email protected]