شهدت جدة أول أمس انطلاقة مؤتمر طب الحشود الذي تنظمه وزارة الصحة؛ بهدف إبراز الجهود الكبيرة التي تبذلها كافة القطاعات الحيوية في خدمة ضيوف الرحمن، وإعلان الحج موسما خاليا من الأمراض الوبائية أو المحجرية. ويأتي هذا المؤتمر الهام في ظروف يشهد فيه العالم الكثير من التحديات التي تستوجب العديد من الوقفات، فتجربة الحج لا يمكن معادلتها أو مقارنتها بتجارب أخرى، خصوصا أنها تحتضن في المشاعر المقدسة أكثر من مليوني حاج في وقت واحد وتحت مظلة واحدة، فهذه التجربة هي نموذج في كيفية التعامل مع التجمعات البشرية والحشود وفق الخطط العلمية المدروسة والقوى البشرية، ولا يقتصر ذلك على الخطط الصحية فحسب، بل يشمل الخطط الأمنية والاجتماعية والثقافية والتنظيمية. والمؤتمر العالمي، الذي يشارك فيه نخبة متميزة من خبراء الصحة والأمن وجهات أخرى بالإضافة إلى مشاركين عالميين من خارج المملكة، يعكس رؤية جديدة في كيفية التعامل مع التجمعات البشرية في ظروف الزمان والمكان، ولا يقتصر ذلك على تقديم الخدمات لهذه الحشود، بل التركيز على جودتها، ولا سيما أن العالم أصبح قرية صغيرة، وبذلك فإن توفير كافة الخدمات من الوسائل التقنية والمواصلات والخدمات الصحية والسكن هي مطالب حيوية لإنجاح أي تجمع إنساني، سواء أكان موسم الحج أو كأس العالم أو أولمبيادا قارية. ويأتي توفير الخدمات الصحية من ضمن الأولويات في مفهوم مناسبات التجمعات البشرية، باعتبار أن صحة الإنسان وسلامة بيئته هما أساس التنمية البشرية، وباعتبار أن الأمراض قد تنتقل بين التجمعات في ظروف بيئية مهيأة، وهو ما يحدث مثلا في الانفلونزا الموسمية، التي تأتي بسلالات مختلفة، وتنتقل بين البشر في أي تجمع، سواء أكان موسم حج او كأس العالم، وهو بالتأكيد ما يستوجب الخطط الوقائية التي تجنب الأمراض. والمملكة تعلن في كل عام عن نجاح خططها في الحج، وهو إعلان لم يأت مصادفة، بل بتضامن كل الإدارات والجهات المعنية، وبجهود كل مواطن ومقيم يعملان بإخلاص نحو حجاج بيت الله الحرام الذين يفدون من كل فج عميق، وهذه الخطط هي أنموذج يحتذى، لأن التعامل مع التجمعات البشرية يحتاج إلى الكثير من التقنيات والآليات والقوى البشرية. ومن منطلق مؤتمر طب الحشود، أتمنى أن يخرج هذا اللقاء العلمي بتوصيات تنعكس على كافة المجتمعات العالمية، وأن تكون استفادة الجهات المشاركة كبيرة؛ للخروج برؤية وخبرات متبادلة من شأنها تحقيق المزيد من التنمية البشرية المستدامة.